الخميس، 1 يوليو 2010

…..2010 فلسطين تعيش المرحلة الوسطى/للكاتب الباحث والاعلامى/ الاستاذ ماجد عزام

…..2010 فلسطين تعيش المرحلة الوسطى

للكاتب الباحث والاعلامى الاستاذ/ ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للاعلام


تبدو فلسطين هذا العام وكأنّها تعيش المرحلة الوسطى فبعدما منع الشعب الفلسطيني بصمود اسطوري وهائل اسرائيل والمشروع الصهيوني من تحقيق الانتصار بات هو الآن في انتظار تحقيق الانتصار النهائي والحاسم، الأمر الذي يستلزم بالتأكيد أداءً مختلفًا فلسطينيا وعربيا وربما دوليا ايضا .
تضمّنت الادبيات الصهيونية الكلاسيكية تلك العبارة الشهيرة " فلسطين ارض بلا شعب لشعب لا ارض" وهي التي مثلت الارضية لتساؤل غولدا مئير" أين هو الشعب الفلسطيني؟ ردّت الثورة الفلسطينية المعاصرة بعنفوان وإباء على ذلك التساؤل العنصري والمتغطرس، ونجحت منظمة التحرير الفلسطينية كإحدى أهم تجليات وإبداع وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني، نجحت في تحويل القضية الفلسطينية من قضية لاجئين ذات بعد انساني الى قضية سياسية بامتياز ذات بعد وطني وقومي تعبّر عن سعي شعب بأكمله الى الحرية وتقرير المصير، وهي أي المنظمة نجحت ايضا عبر تضحيات جسام في وضع القضية على رأس جدول الاعمال العالمي، فباتت بفعل العناد الفلسطيني والذاكرة العصية على النسيان- ومنظمة التحرير ايضا- معيارًا للسلم والاستقرار الدوليين، علما ان المشروع الصهيوني لحظ او تمنّى بالاحرى ان يموت الجيل الاول من اللاجئين وتنسى الاجيال الثانية وتذوب فى محيطها، بينما يتحول لاجئو ومواطنو الداخل الى ايدٍ عاملة رخيصة للاقتصاد الصهيوني وفى أسوأ الاحوال الى مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة، وهو ما لم يتحقق ايضا نتيجة عناد الشعب، كذلك نتيجة نضال واداء المنظمة التي تحوّلت وطنا معنويا واطارًا مرجعيا اعلى لادارة الصراع مع اسرائيل وعدم الاستسلام امامها .
حتى عندما ذهبت "منظمة التحرير" الى عملية التسوية وشاركت بمواربة في مؤتمر مدريد ثم وقّعت على اتفاق أوسلو وتخلت عن الروح مقابل الاطار او الجسد وفق التعبير الشهير للشهيد فتحي الشقاقي لم تستسلم او بالاحرى لم يستسلم الشهيد ابو عمار على طاولة التفاوض، ورغم حدّة النقد وحتى التخوين والتكفير الدينى والسياسى الذى تعرض له فإنّ ابا عمار رفض التوقيع على وثيقة الاستسلام، وعندما اتضح له ان ما تسعى اليه اسرائيل هو فرض الحكم الذاتي البلدي الموسّع تحت اطار برّاق ولامع للدولة دون القدس ودون حق العودة - استنساخ محدث للمنظومة اللحدية- آثر ابو عمار الاستشهاد على الاستسلام حارما اسرائيل من ان تحقق على طاولة التفاوض ما عجزت عن تحقيقه في الميدان اي فرض الهزيمة على الشعب الفلسطيني وتحويله الى ايدى عاملة رخيصة في الداخل وجسر للتطبيع والانفتاح على كل العواصم في الخارج .
يجب الانتباه الى ان اسرائيل لجأت أساسا الى الطاولة والاساليب الناعمة والديبلوماسية لفرض الهزيمة والاستسلام على الشعب الفلسطيني بعدما عجزت عن تحقيق ذلك في الميدان عبر الاجتياح الأحمق للبنان فى العام 1982 بغرض توجيه ضربة قاصمة لمنظمة التحرير وإخراجها- ومعها الشعب الفلسطيني- من معادلة الصراع، الامر الذي ردّ عليه الشعب الاسطورة بانتفاضة الحجارة التي اجبرت القادة العسكريين الاسرائليين لاول مرة على الفهم ان ليس من حلّ عسكري للصراع وانه لا يمكن انهاء الامال والطموحات الوطنية للفلسطينيين عبر الوسائل العسكرية وهي اى الانتفاضة اجبرت ايضا تيارا واسعا من القادة السياسيين الاسرائبيلى على التفكير في حل تفاوضي للصراع قال رابين لاحد اصدقائه مطلع التسعينيات من القرن الماضي ان ما دفعه فى الحقيقة الى توقيع اتفاق اوسلو والاعتراف بمنظمة التحريرولو كاطار فقط هو معرفته الدقيقة باحوال واوضاع الجيش الاسرائيلي واستحالة تحقيقه الانتصار في اي حرب او مواجهة اخرى مع الفلسطيينين والعرب، ممانعة اليمين الاسرائيلي او القسم الاعظم منه لتلك الحقيقة انهارت امام انتفاضة الاقصى التي فشل ارئيل شارون في انهائها خلال مئة يوم ما دفعه الى اللجوء لخطة فك الارتباط او الانفصال الاحادى عن الفلسطينيين والتي حملت في طياتها الحقيقة الساطعة اسرائيل عاجزة عن فرض الهزيمة والاستسلام على الفلسطيينين سواء كان ذلك فب الميدان او على طاولة التفاوض .
حرب غزة الاخيرة اكدت وكرست بدورها الحقائق السابقة: اسرائيل لا تستطيع تحقيق الانتصار العسكري على الفلسطيينين، علما انّ الحرب نفسها وما تخللها من مجازر وفظائع مثلت تعبيرا عنيفا ودمويا عن استحالة تحقيق السلام مع الفلسطيينين عبر التفاوض او فرض الهزيمة عليهم بالاساليب الناعمة، كما ان الحرب، وفي احد ابعادها الايديولوجية ايضا اظهرت انهيار المفهوم الاحادي وفك الارتباط بمعناه الشاروني، بحيث أنّ أيّ انسحاب آخر لن يكون سوى نوع من الهروب والاقرار بفشل المشروع الصهيوني برمته في مواجهة الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني .
اذن نجحنا في منع اسرائيل من تحقيق الانتصار وفي تقويض الاسس المركزية للمشروع الصهيوني، ولكن لكي نحقق نحن الانتصار بمعنى التخلص النهائي من اسرائيل ومشروعها الصهيوني، فهذا امر آخر، ويحتاج إلى اداء فلسطيني وعربي مختلف، فعلى المستوى الفلسطيني لا يمكن نظريا تحقيق الانتصار النهائي والحاسم في ظل هذا الانقسام السياسي والجغرافي المؤسف والمحزن، كما في غياب المرجعية العليا أي منظمة التحرير روحا وجسدا من اجل صهر طاقات الفلسطينيين في الخارج والداخل وادارة النزاع مع اسرائيل واستنزافها، كما لا يمكن في رأيي تحقيق الانتصار دون حسم اسئلة جد مهمة وصعبة ليس فقط عن ثنائية المقاومة والمفاوضات، وانما ايضا عن ثنائية المقاومة والسلطة وصوابية النزاع او الاستغراق في الخلافات السلطوية والهامشية، بينما الهدف الاستراتيجي الاهم لم يتحقق وكما دائما اعتقد ان اداءً فلسطينيا مختلفًا سيؤدي حتما الى اداء عربي مختلف وبدون ازالة او التخلص من الانظمة المتعفنة والمترهلة والمستبدة الفاقدة للشرعية كما جرى بعد النكبة الاولى ولكن سلميا وديموقراطيا هذه المرة وهي سيرورة طويلة وصعبة ولكنّها حتمية وضرورية بمعنى تمكين الشعب العربي من فرض ارادته على حكامه واعادة الاعتبار الى مركزية القضية الفلسطينية ليس فقط من اجل مساعدة الفلسطينيين على ما لذلك من اهمية وانما مساعدة الدول العربية نفسها للتخلص من التبعية والهيمنة الخارجية والاستقلال بالمعنى الحقيقي للكلمة وهي امور لا يمكن تحقيقها بدون هزيمة المشروع الصهيوني وازالته نهائيا وهو هدف ليس مستحيلا بعدما نجحت المقاومة الفلسطينية في تحجيمه ومحاصرته ومنعه من تحقيق الانتصار كخطوة ضرورية وملحة ولا بد منها فى سبيل فرض الهزيمة النهائية والحاسمة عليه

مدير مركز شرق المتوسط للاعلام.
ماجد عزام

ليست هناك تعليقات: