الجمعة، 26 فبراير 2010

إسرائيل تتعولم ثالثيا…… ولكنها أفضل حالاً منا /للكاتب الفاضل الصحفى ماجد عزام

ماجد عزام:
مدير مركز شرق المتوسط للاعلام
إسرائيل هي الدولة الوحيدة , التي يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام ؛ هكذا برر بنيامين نتنياهو قرار بناء جدار امنى على الحدود مع مصر، نتنياهو قصد , إن إسرائيل هي الدولة الوحيدة من العالم الأول التي يمكن الوصول إليها سيراً على الأقدام من افريقيا و العالم الثالث، إسرائيل ربما كانت من دول العالم الأول, لكنها تتحول تدريجياً إلى دولة عالم ثالثية بامتياز. يمكن القول انها باتت فى مرحلة ما بين العالم الأول والعالم الثالث , صحيح أن التحول والانتقال تدريجي و بطيء , ولكنه متواصل ومستمر والدليل على هذا الاستنتاج , قدمته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الOECDالتى تضم 30 دولة , هى الاكثر ديموقراطية ورخاء وتطورا فى العالم. وكانت الOECD تلقت طلبا من اسرائيل للانضمام اليها .اجرت المنظمة دراسة عن الواقع الاسرائيلى , خلصت فيها الى ان نسبة الفقر في الدولة العبرية تتجاوز العشرين بالمائة , وتشكل ضعف نسبة الفقر فى الدول الاعضاء فى المنظمة , و خمسين بالمائة من المواطنين, يعتاشون على راتب يقل عن اربعة الاف شيكل-(الف دولار تقريبا) ما يعنى ان اسرائيل تعتبر الدولة الاكثر فقرا والاكثر تمييزا بين مواطنيها , بالمقارنة مع باقى الدول الاعضاء كما ان مستوى الطلاب الثانويين , فى مواضيع الرياضيات والمطالعة والعلوم , اقل من مستوى نظرائهم فى الدول الاعضاء و ختمت المنظمة تقريرها" بان عمل كبير ينتظر اسرائيل اذا ما ارادت الانضمام الى النادى الفخم والراقى لاكثر دول العالم ديموقراطية وقوة اقتصادية" حسب تعبير الاعلام الاسرائيلى. . .
ثمة ادلة اخرى سياسية فى معظمها تؤكد التحول او التدهور الاسرائيلى المستمر نحو العالم الثالث, و ياتى على راسها الحكومة الحالية نفسها التي تعتبر اكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفا وتضخما في تاريخ إسرائيل فهي تكلف الخزينة مليار شيكل كنفقات امنية وادارية لمكاتب الوزراء ونوابهم . هذا فى حالة اكمال مدتها المقدرة باربع سنوات ( فهي الحكومة التى لم يتم تعيين وزير للصحة فيها حتى الان بانتظار تطورات حزبية وائتلافية ), يدير الوزارة مسوؤل بدرجة نائب وزير و هو نفسه الذي رفض تداول مصطلح "انفلونزا الخنازير" بسبب نجاسة هذه الاخيرة وتفضيله مصطلح "انفلونزا المكسيك", الامر الذى كاد يسبب ازمة مع الدولة الامريكية الشمالية , قبل ان تبادر اسرائيل , الى التوضيح والاعتذار , كعادتها فى الفترة الاخيرة . يمكن كذلك الاشارة الى الحكومة السابقة التى تشبث رئيسها بالسلطة , رغم الاستطلاعات ونسب التاييد المنخفضة , ورغم تقرير لجنة فينوغراد الذى دعاه بشكل غير مباشر الى الاستقالة , علما انه اعطى عند تشكيل الحكومة وزارة الدفاع الى عمير بيرتس , ووزارة المالية الى صديقه المقرب ابراهام هيرشزون .بيرتس دخل التاريخ من بابه الخلفى , كاحد اسوا وزراء الدفاع , بينما يمكث هيرشزون فى السجن , بتهمة الرشوة وسوء الائتمان , ,ونهب المال العام . ثمة دليلان اخران حدثا خلال الفترة الماضية , يؤكدان ايضا على انهيار السياسة الإسرائيلة , وانتقالها شيئا فشيئا من العالم الاول , الى العالم الثالث . دعوة بنيامين نتنياهو زعيمة المعارضة" تسيبي ليفني"للانضمام إلى الائتلاف و ذلك تحت ذريعة حالة الطوارئ الوطنية , التي تتشابه مع تلك التي سادت قبل حرب حزيران يونيو 1967، وادت بزعيم حركة حيروت انذاك مناحيم بيغن للانضمان كوزير دولة الى حكومة الماباى برئاسة ليفى اشكول .
عوفر شيلح المحلل السياسي فى القناة التلفزيونية العاشرة استهجن , ان يقوم نتنياهو بهذا الأمر رافضا زج القضايا الوطنية الكبرى في زواريب الساحة الحزبية الضيقة وقال:" أن لا احد يصدق أن الحالة مماثلة لنظيرتها عشية حرب حزيران ", وكما أن لا أحد يصدق كلام باراك عن سمك تحصين المنشأة النووية الإيرانية ما يثير بدوره الشك حول خلفيات التصعيد الامنى سواء ضد غزة أو حتى إيران لتحقق مكاسب سياسية حتى مالية اقتصادية عبر ضخ مزيد من الميزانيات إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية , شيلح انهى تعليقه التلفزيونى على النحو التالى :" لماذا زج هستيريا امنية داخل كل مناورة سياسية كلمات , كلمات, كلمات مثلما كان يقتبس بيغن عن هاملت فقط ان الامر هو هذا بالضبط لدى بيبى وباراك كلمات كلمات ثم يشتكيان من ان السياسة فى الزبالة" .
أكثر من ذلك فإن نتنياهو , وفي ذروة مداولات المجلس الوزارى السباعى , حول صفقة تبادل الاسرى مع حماس , وبعدما سحبت المعارضة اقتراحها بحجب الثقة عن الحكومة , تقديرا للحظة الوطنية , وجد الوقت وكذلك وزير دفاعه أهود باراك , للالتقاء مع نواب متمردين من حزب كديما , لاقناعهم بالانشقاق والانضمام إلى الائتلاف الحاكم والتمتع بحزمة من المناصب والاغراءات والامتيازات المالية ..
الدليل الاخر المهم والاحدث , على انحدار إسرائيل المتواصل من العالم الأول إلى العالم الثالث يتمثل بالطريقة التى تصرف بها" دانى أيالون" مع السفير التركي والتي تجاوزت الاعراف الدبلوماسية السائدة ما اشعر الون لئيل بالخجل كدبلوماسى سابق. وتعبر في الحقيقة عن عقلية وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان , الذي يعتبر وجوده في الوزارة , برهان على لا سوية الدولة , كما اقر المستشار القضائى للحكومة مناحيم مزور.
يمكن تكوين فكرة اوضح عن خلفيات ودلالات تصرف ايلون المنسق تماما مع وزير خارجيته ليبرمان عبر القاء نظرة على فهم او تفسير الوزير بنيامين بن اليعزر للموضوع" هذا يشكل ضربة غير مسبوقة فى تاريخ العلاقات بين الدول حيث يقوم وزير خارجية بالتخريب على علاقات دولية باصدقائها ويسىء الى الوزراء الذين يحاولون تصحيح ما يخربه"، الدولة التي يعرقل وزراؤها عمل بعضهم البعض , لا يمكن ان تنتمى الى العالم الاول باى حال من الاحوا ل باراك نفسه استغرب كذلك تصرف وزير المالية يوفال شتاينتس , بعدم توفير الميزانيات اللازمة من اجل تطبيق التجميد المؤقت للاستيطان , واستهجن كيف يقوم وزير بعرقلة , سياسه اقرتها الحكومة مجتمعة , نتيجة لاراء شخصية وحزبية بحتة.
إسرائيل تتعولم ثالثيا , غير أنها ما زالت أفضل حالا منا , لان ما من دولة عربية طلبت مثلا الانضمام الى منظمة التعاون والتنمية , للتاكد اكثر يمكن الاطلاع على" الدراسة الفلسطينية المهمة عن البحث العلمي فى اسرائيل و العالم العربي"... والتى اظهرت ان الدولة العبرية حصلت خلال الاعوام العشرين الماضية على براءات اختراع علمية اكثر بعشرين ضعف من الدول العربية مجتمعة كما انها تتفوق على العرب مجتمعين فى حجم الانفاق على البحث العلمى .
لكن نستفيد من التدهور الإسرائيلي المستمر , والعاصف بمناحى الحياة المختلفة , لا بد من ان نكون أفضل حالاً منها، هذا الأمر غير الحاصل للاسف ,علماً أن ما يطيل عمر إسرائيل ويزيد انجازاتها ليس العقل اليهودى فقط كما كان يقول ساخرا ارئيل شارون وانما الاداء العربي السىء والردىء ايضا، صوت المعركة بل المعارك لم يمنع اسرائيل من بناء مؤسسات قوية ونظام ديموقراطى راسخ , النظام الذي منع شخص فاشل وفاسد مثل أهود أولمرت , من البقاء فى السلطة ,واضطره لدفع ثمن أدائه الردىء سياسيا وامنيا , العكس حاصل عندنا حيث ندفع جميعا من حاضرنا ومستقبلنا , وامالنا ومقدراتنا , ثمن الاداء الخائب للقادة الخالدين , فى مناصبهم وليس فى التاريخ .

ليست هناك تعليقات: