المقال للاستاذ الفاضل /احمد صبرى
خريج قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبد العزيز
صحيفة الوطن السعودية – 10 أكتوبر 2009
منذ نشوء دولة الإحتلال الصهيوني على أرض فلسطين في العام 1948 وهناك محاولات دؤوبة من قبل المحتل للحصول على ما يعرف باسم "التطبيع" والذي يعني في معناه العام جعل الشيء غير الطبيعي طبيعياً و التعامل معه على هذا الأساس، ويقصد به هنا تحويل العلاقات بيننا و بين إسرائيل إلى حالة العلاقات الطبيعية، فيصير هناك تمثيل دبلوماسي وعلاقات اقتصادية وزراعية ونفطية وأمنية ودفاعية و سياحية، بل دعى البعض لاعتبار إسرائيل عضوا في جامعة الدول العربية.وفي هذا السياق قامت أغلب الحكومات العربية برفض التطبيع مع العدو الإسرائيلي مرات عدة، أما الشعوب العربية فقد رفضه دائماً وبشكل قاطع، معتبرين العدو عدواً والصديق صديقاً والدم دماً لم يصبح ماء ليستهان به، ويرفضون أن يجرهم العدو الإسرائيلي لمعسول وعوده بالسلام الذي مازال يوعدنا به طوال العقود الفائتة ولم نر منه غير الحرب! ويرفضون كذلك أن يخدعهم العدو فيسوقهم لسرقة مقدراتهم وثرواتهم ويستفيد منها ليعطيهم الفتات في المقابل. في حين أدرك الكثيرون من الطبقات المفكرة في الأمة أن هذه المحاولات الصهيونية الخبيثة ما هي إلا طريقة لجرنا إلى أن يصبح الجندي العربي حارساً لإسرائيل ساهراً على أمنها وفي ذات الوقت يحاصر أهله ويحارب إخوته المجاهدين ويطاردهم في كل مكان ! في ظل هذه العلاقات "الطبيعية" التي تحول كل ما هو طاريء ودخيل إلى "طبيعي" وكل ردة فعل إنسانية طبيعية تتحول من "مقاومة" إلى "عدو" و "عبث" و "مغامرة" و "إرهاب" يجب ملاحقته!في هذا الموضوع لفت إنتباهي مؤخراً مقابلة تلفزيونية تمت مع عبد الله سامبي رئيس جمهورية جزر القمر الإتحادية - هذه الدولة العربية المهمشة والتي تعد من أفقر دول العالم – وهو يشرح كيف رفض عرضاً إسرائيلياً سخياً بملايين الدولارات شهرياً إذا وافق على التطبيع مع إسرائيل رغم أن جزر القمر ليس لها وزن سياسي يذكر في الشرق الأوسط أو حتى في العالم !وكان المثير للإهتمام أن أحد حججه في رفض التطبيع تتعلق بالإرادة العامة لشعبه واحترامه لرأي الشارع، واستدل على ذلك بأن الشعب القمري هاج وماج وعمته الإعتراضات عندما حاول من كان قبل سامبي في السلطة اقامة علاقات "طبيعية" مع إسرائيل، وبالتالي يقول "أنا لن أطبع لأني هنا لأخدم شعبي".وإذا أخذنا في عين الإعتبار الفقر المدقع في جزر القمر سنرى أن هذا النموذج ليس فقط مثير للإعجاب والأنفة، بل هو كذلك حجة على الدول الأغنى أيضاً. أما الموقف الأكثر تأثيراً في المقابلة فكان حين سأله المذيع : ألا تخشى من أن يتم إزاحتك من السلطة بسبب هذا الموضوع؟ فما كان منه إلا أن كرر رفضه للتطبيع ورد عليه بقوله " أنا رجل صاحب مبادئ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق