مقال للاستاذ الفاضل/.أحمد صبري .
خريج قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز
بعد ثلاث سنوات من عدوان يوليو 2006 على لبنان يحق لنا أن نتأمل تتابع الأحداث خلال هذه السنوات. فقد رأينا حرباً إرهابية ضد الشعب اللبناني ومؤسساته، أودت بحياة أكثر من 1200 بريء، ولم يفرق القصف فيها بين مسلم ومسيحي ودرزي، أو سني وشيعي، وطالت الصواريخ الأمريكية الصنع مساجد وحسينيات وكنائس ومدارس ومراكز صحية ومصانع بل والأمم المتحدة كذلك ودون خوف من العقاب.أثناء الحرب ارتكبت مجازر عدة، وتمكنت المقاومة اللبنانية من منع هزيمة العدو على الأرض، وأصابت 3 قطع بحرية له في البحر، وهددت بقصف تل أبيب، وتسببت في نزول قرابة المليون ونصف المليون إسرائيلي في الملاجئ خوفاً من صواريخ قالت إسرائيل – كاذبة - بعد أيام قليلة من بدء الحرب إنها دمرت أغلبها.وبعد الحرب بشهور قليلة خرج لنا أولمرت ليعترف أن التجهيز للهجوم الشامل على لبنان بدأ أصلاً قبل عملية خطف الجنديين بأربعة أشهر! هكذا بكل وقاحة يعترف دون أن يحاسب هو وأمثاله.ولم تمض عدة أشهر على التصريح حتى اشتد الحصار على أهلنا بغزة، واستشهد أكثر من 100 مريض بسبب نقص الدواء وانقطاع الكهرباء (زاد عددهم اليوم على 300!) وبينما كانت مجزرة المرضى تستمر، سمعنا أولمرت ومن معه يعلنون أنهم لن يسمحوا بعودة "لاجئ واحد" وأنهم لن يقبلوا مفاوضات تتضمن "الانسحاب من أراضي 67" مخالفين بذلك أهم ركنين في مبادرة السلام العربية ومتجاهلين لقرارات الأمم المتحدة.وبعد هذه التصريحات بشهور أخرى تم تحرير الرهائن اللبنانيين الذين تشدق الصهاينة بأنهم لن يخرجوهم أبداً، وأن زمن التفاوض مع "الإرهابيين" انتهى، ورأى الصهاينة ومؤيدوهم بحنق سمير القنطار يخرج من الأسر بعد 28 عاماً فشلت فيها كل المحاولات السلمية لإخراجه.ولم تلبث أن مرت 6 أشهر أخرى حتى رأينا مجزرة أبشع مما حصل في 2006 دارت في غزة وصدمت العالم الذي ذهل من دموية الاحتلال، واندهش الكثيرون – ومنهم أنا – من أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق اختراق فعلي على الأرض، حتى مدينة غزة لم يدخلوها رغم أنها تبعد عنهم تقريبا 4 كيلومترات فقط!وانتهت الحرب بإعلان إسرائيل وقف إطلاق النار، ولم نفلح نحن للأسف في استثمار الضغط الدولي على إسرائيل، وكان أقصى تصرف رسمي أتخذ هو وقف المفاوضات السورية غير المباشرة، وإغلاق الممثليات الإسرائيلية في كل من قطر وموريتانيا.واليوم مرت 6 أشهر على مجزرة غزة، سمعنا خلالها المسؤولين الإسرائيليين يصرحون بوضوح أنه لا عودة للاجئين، ولا تقسيم للقدس، ولا إيقاف للاستيطان، ولا انسحاب من أراضي 67، ولا سلام دون الاعتراف بيهودية إسرائيل، وأن نبدأ نحن بإعطائهم التطبيع – وهو أغلى ثمن سياسي ممكن – قبل أن يعطونا أي مقابل، ثم بعد أن نحقق لهم هذه التنازلات المستحيلة سيمنحوننا مشكورين "دولة" فلسطينية مقسمة ومحاطة بجدار عنصري ومقطعة بالمستوطنات ونقاط التفتيش، على شرط ألا تملك سلاحا ولا تتحكم في مجالها الجوي، ولا تقيم علاقات مع أعداء إسرائيل! وجمع نتنياهو هذا كله في خطابه لـ"السلام" الذي ألقاه –والطيران الإسرائيلي يقصف رفح يومها -، وما إن انتهى حتى جاءه التأييد من أوباما بلا خجل، ورغم وضوح وصفاقة الخطاب، إلا أنه لم يرد عليه بأي رد واضح من الجانب العربي.وكما تراوحت مواقف مثقفينا من الأحداث السابقة كلها، تراوحت كذلك من خطاب نتنياهو وبأشكال متعددة ومتناقضة أحياناً، فمنهم من قال إن هذا تكتيك تفاوضي ليس إلا، ومنهم من قال إنه لا حل سوى أن نسمع ونطيع، ومنهم من قال إنه سوف "يعارض كل دولة عربية تقبل بالخطاب" كجهاد الخازن في صحيفة الحياة، ومنهم الدكتور محمد الهرفي الذي دعا من "عكاظ" لـ"إيقاف المفاوضات كخطوة أولى حتى يتراجع عمليا عما تحدث عنه، ثم قطع العلاقات إن لم يفعل شيئا له قيمة، ثم التفكير العملي في دعم المقاومة لكي تستطيع الدفاع عن أوطانها". هذه نظرة سريعة على نقاط أساسية مررنا بها منذ 2006. وها نحن بعد ثلاث سنوات من حرب لبنان، وستة أشهر منذ حرب غزة.. والمعادلة هي هي.. لا فائدة في تضييع وقتنا فيما يسمى زوراً وبهتاناً بمفاوضات "السلام الشامل العادل الدائم"
وتتقدم مدونه صوت غاضب وضياء الدين جاد بخالص الشكر والتقدير للاستاذ الفاضل احمد صبرى على هذا المقال الاكثر من رائع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق