اسرائيل تملك القدرة والدافع لاغتيال الرئيس الحريري
تحدث الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله في الاول من أيار، فقدم في البداية وكما هي العادة العناوين التي سيتحدث عنها
مختصراً أياها من ثلاثة إلى اثنين لأن ما تفضل به رئيس كتلة الوفاء للمقاومة حول المناورة الاسرائيلية كافي في هذه المرحلة ولانه هناك وقت قبل حصولها، وجاء في كلمة سماحته:
في هذا اللقاء , في هذه الرسالة وكما اعلن سابقا كنت اود ان اتحدث عن عدة عناوين , عنوان الازمة القائمة مع النظام المصري , عنوان اطلاق سراح الضباط الاربعة , ومسالة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية , وعنوان المناورات العسكرية الاسرائيلية والمستجد على هذا الصعيد , لكن تبين لي ان الوقت لا يتسع الى الموضوعات الثلاثة وخصوصا ان الموضوع الاسرائيلي والمناورات الاسرائيلية وما قدم على طاولات الحوار والتعليقات التي صدرت حول هذا الموضوع , وجدية هذه المسالة تحتاج لوحدها الى وقت طويل ومفصل ولذلك اتركها الى الايام القليلة المقبلة , لانه ما زال هناك متسع من الوقت للحديث عن هذا الموضوع , ولذلك حديث اليوم سيتركز على عنوانين : الاول الازمة مع مصر والعنوان الثاني مسالة الضباط الاربعة والتحقيق الدولي والمحكمة الدولية وقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري, لكن في البداية يجب ان اتوجه في هذا اليوم في عيد العمال الى جميع العمال الكادحين في لبنان والعالم للتهنئة بعيدهم واسال الله تعالى ان يتحول هذا اليوم الى عيد الى مناسبة للعمال لنقاباتهم وللاتحادات العمالية للحكومات للقوى السياسية لن يصبح يوما تنطلق فيه فعاليات جادة وحقيقية لانصاف هؤلاء العمال وحل مشكلاتهم وازماتهم وقضاياهم والاصغاء الى مطالبهم المحقة . هؤلاء العمال الذين هم في نظر الانبياء والرسل كالمجاهدين في سبيل الله لهم رتبة المجاهدين في سبيل الله , كما ورد في الحديث عن رسول الله الاعظم محمد ص " ان الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ", هؤلاء لهم هذا المقام هذه الدرجة ويستحقون منا جميعا كل هذه العناية.
اعود الى عناوين الحديث والعنوان الاول فيما يرتبط بالازمة مع النظام المصري, كما تعرفون مضى ما يقارب ثلاثة اسابيع واكثر على هذه الازمة منذ اعلان المدعي العام المصري ما اعلنه من اتهامات وادعاءات لاخ لنا ومجموعة اخرى من الاشخاص , ومنذ ذلك الحين انطلقت حملة اعلامية دعائية سياسية واسعة وكبيرة جدا لم تقف حتى هذه اللحظة شارك فيها النظام المصري من راس النظام الى الوزارات المعنية الى الاجهزة المعنية الى وسائل الاعلام وايضا ساعد عليها اخرون من خارج مصر في العالم العربي .
في ذلك الوقت تحدثت بصراحة وعلقت على هذا الموضوع ونحن من طرفنا في حزب الله اكتفينا بشكل عام بما قلته ولم ندخل في مواجهة اعلامية وسياسية مع النظام في مصر ولم نكن طرفا في هذه المواجهة.
اذن ما كنا نشهده خلال الاسابيع الماضية وما زلنا نشهده حتى الان هي حرب اعلامية سياسية دعائية من طرف واحد هو النظام المصري , وفي الحقيقة تعليقا على هذه الحملة انا اود القول لو كان الادعاءات التي يتحدثون عنها هي ادعاءات حقيقية ولو كان هناك ملف حقيقي لما احتاجوا الى كل هذه الحملة الدعائية والاعلامية , ولو كان لديهم منطق يستندون اليه لما احتاجول الى كل هذه الشتائم والى كل هذه التعبيرات الهابطة والنابية التي للاسف لجا اليها مسؤولون كبار في النظام المصري ورؤساء تحرير وصحفيون كبار في اكثر من مكان , وهم قالوا منذ البداية ان هذه المسالة قضائية , فلو كانت هذه المسالة قضائية حقا لماذا احتاجوا الى كل هذا الجهد الاعلامي السياسي الكبير , في هذه اللحظة اتساءل ماذا حقق النظام المصري من حملته المتواصلة على حزب الله , براي لم يحقق شيئا , نعم في شغلة وحدة حققها هي "فش خلقو" يعني بالتعبير اللبناني , وفي التعبيرات الاخرى يعني نفس عن كربته.
أنا ارى هذا هو الانجاز الذي حققه حتى الان , والا ما هي النتائج السياسية والاعلامية التي تحققت حتى الان؟ هل حقق ايا من الاهداف المرجوة والمتوقعة او المفترضة؟ هل استطاع النظام من خلال هذه الحملة الواسعة ان يقنع الشعب المصري خصوصا والشعوب العربية عموما بالصورة والمشهد الذي اراد ان يقدمه عن حزب الله وعن المقاومة في لبنان , انا اقول لا, وانا انصحهم بالعودة الى جهات محايدة تجري استطلاعات راي سواء في مصر او في العالم العربي ليكتشفوا هذه الحقيقة وانا اطلعت على مجموعة استطلاعات من هذا النوع , ويمكنهم ان يسالوا من خلال استطلاعات الرأي هذه انهم هل كانوا مقنعين فيما قدموه من اتهامات وشوهوه من صورة , سيجدون انهم لم يحققوا وانهم لم يكونوا مقنعين لا للشعب المصري ولا للشعوب العربية على هذا الصعيد.
والسؤال الاخر هل بعد اعتقال الاخ سامي شهاب وكل هذه الحملة الاعلامية والسياسية والدعائية اصبح هناك اطمئنان لدى النظام المصري بان عملية قلب النظام انتهت , التي يتهم حزب الله التواطؤ فيها او تدبيرها , وسار مطمئن على النظام اليوم ؟ هل استعاد النظام المصري موقعه الاقليمي والدولي من خلال هذه الحملة ؟ بالتاكيد لا, وهل استطاع ان يشوه صورة حزب الله والى الابد؟ انا اقول لكم لا, وهل استطاع وهذه ذكرت في احد المجالات انها من الاهداف المفترضة ان يؤثر على الانتخابات اللبنانية من خلال احراج حزب الله؟ اصلا حزب الله لم يحرج من خلال هذه الاتهامات , او من خلال احراج حلفائه, انا اقول لكم لا, اذن أي هدف مفترض او متوقع لحملة النظام المصري على حزب الله حتى هذه اللحظة لم تحقق أي غاية واي هدف واي نتيجة ولم تحقق , اذا ارادوا هم ان يستمروا في هذه الحملة الاعلامية هذا شانهم لكن نحن قلنا منذ البداية لسنا في مواجهة اعلامية وسياسية.
نعم اثناء حرب غزة كان لنا موقف وكان موقف سليم وطبيعي , وانا استمعت قبل ايام للرئيس المصري يتحدث في بعض الخطب وحذر من غضب مصر وكنا نتمنى ان نرى بعض من غضب مصر عندما كان المئات من نساء واطفال غزة يقتلون والالاف المساكن تدمر وغزة تقف وحيدة لمواجهة العدوان الاسرائيلي الاميركي عليها. لكن في كل الاحوال نحن ليس في صدد الدخول في مواجهة وان اعيد واكرر ما قلته سابقا وهذا ليس جديدا نحن لم ننشىء تنظيما في مصر ولسنا في صدد ولا ننوي انشاء تنظيم في مصر , ونحن لم نستهدف لا مصر ولا امنها ولا نظمها ولا استقرارها ولسنا معنيين في شؤونها الداخلية , نحن نعمل لقضية واضحة جدا وهي دعم اخواننا الفلسطينيين وهذه هي تهمتنا وجريمتنا وذنبنا الذي نعاقب عليه.
العديد من القيادات اللبنانية والعربية دعت الى معالجة هذه الازمة بهدوء وتعقل وهذا امر صحيح وهذا ما التزمنا به منذ اليوم الاول ونحن نتابع هذه المسالة بالوسائل القانونية والقضائية وسنرى الى اين تصل , وبالتاكيد هناك جهات نثق بها ونحترمها وهي تعمل من اجل معالجة هذا الموضوع بشكل عاقل وبشكل هادىء ونامل ان تصل هذه المساعي الى النتائج المطلوبة , هنا يجب ان اتوجه بالشكر والتقدير الى كل الذين دافعوا عنا بشجاعة على امتداد العالمين العربي والاسلامي والعالم وخصوصا اولئك الذين لحق بهم الاذى بسبب دفاعهم عن المقاومة وبالاخص كل الذين دافعوا عنا داخل مصر وهم في الحقيقة كانوا يدافعون عن مصر كما يدافعون عن المقاومة في لبنان لان ما جرى هو اساءة لمصر وليس اساءة لحزب الله , اتوجه الى هؤلاء جميعا بالشكر والتقدير على وقفتهم الى جانبنا وهي وقفة الى جانب الحق والى جانب المقاومة والى جانب الامة والى وجدان وضمير هذه الامة , وليست وقفة الى جانب حزب او جهة سياسية او فئة معينة وانما هي وقفة لله وللتاريخ وجزء من المعركة الحقيقية التي تقودها امتنا منذ عقود من الزمن.
واقول للمسؤولين المصريين اذا احببتم ان تواصلوا حملتكم فهذا شانكم , ولكن هذا لن يجديكم نفعا ومع الوقت سيصبح عملا مملا واقول لكم ايضا لقد قدتم لنا بحملتكم واتهاماتكم خدمة جليلة وكبيرة نشكركم عليها , لن اشرحها الان ستظهر لوحدها مع الايام.
طبعا في هذا السياق كان ملفت جدا دخول السيد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون على الخط واطلق تصريحات ملفتة في قضية ما سمي خلية حزب الله بمصر , وارسل مبعوثه الخاص تيري رود لارسن الى القاهرة وايضا لارسن اطلق تصريحات مهمة من مصر حول هذه القضية , انا اود ان اتوقف قليلا مع النص الذي ذكره السيد بان كي مون:"عندما يتحدث عن مسالة حزب الله ومصر والخلية يقول :"بل انه لمرعب لي , انظروا التعبير , انه لمرعب لي ان حزب الله اعترف علنا بانه يقوم بتامين الدعم للميليشبات في غزة من الاراضي المصرية ", يعلق سماحته هذا كلام الامين العام للامم المتحدة لم يستخدم هذه الادبيات عندما كانت غزة تتعرض الى مذبحة والى محرقة وامام العالم كله, اكثر من 1300 شهيد اغلبهم من النساء والاطفال وماساة حقيقية واستخدام اسلحة محرمة دوليا في ظل حصار مطبق على الشعب الفلسطيني في غزة وقتل للمدنيين الفلسطينيين في مراكز منظمات تابعة للامم المتحدة لم يستخدم السيد بان كي مون هذه التعبيرات ,وعندما اتى الى الموضوع اللبناني ولم يحكي عن حزب الله يحكي عن ادانة وتنديد, ولكن لما يتكلموا عن الشبكات الاسرائيلية يقول كما اخذ علما في تقريره بالتهمة التي وجهتها الحكومة اللبنانية في 23 الشهر الجاري الى ضابط لبناني متقاعد وثلاثة معه بتهمة التجسس لمصلحة اسرائيل وقال (بان كي مون) اذا ثبت ان هذه الادعاءات صحيحة فان ذلك شكل انتهاكا لسيادة لبنان من جانب اسرائيل , بينما يرسل لارسن على القاهرة وبيطلع لارسن وبيعمل تصريحات طويلة عريضة وخطورة وتنديد وما شاكل ولم يستعمل عبارة لو ثبتت هذه التهمة لان الموضوع بعد ما انتهى قضائيا , حتى الان الاتهام هو اتهام , دعونا نقول اتهام مدعي العام اتهام الاجهزة الامنية , ولم يقل لو ثبتت هذه التهمة فاننا كذا وكذا , بل اخذ موقف ومشى.
في كل الاحوال السيد الامين العام للامم المتحدة هو واصل التصريحات سنتكلم عنها لاحقا , وهي ليس موضوع حديثنا وهي لها علاقة بشبكة الاتصالات بلبنان ونرى هنا كيف يرجع بعد سنة يذكر اللبنانيين بشبكة الاتصالات التي كادت ان تؤدي الى مصيبة كبيرة في لبنان بسبب القرارات المتعجلة في ذلك الحين وتخويف الناس وتهديد الاستقرار الى اخره.. السيد بان كي مون يزج بالامم المتحدة في مواجهة مع حزب الله ومع حركات المقاومة في المنطقة مع شعوب وضمائر ووجدان هذه المنطقة مجانا لمصلحة الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني في المنطقة.هذا أمر غير مناسب لا للأمم المتحدة ولا لموقع الأمم المتحدة.
في نفس هذا السياق، طبعا نحن نشهد حملة واسعة وكبيرة في أك\ثر من مكان في العالم وهذه الحملة كانت موجودة في السابق وأقول لكم سوف تكبر وتتعاظم مع الأيام، وهذا طبيعي نتيجة موقعنا وأهميتنا وموقفنا ونتيجة أهمية القضية التي نتبناها ونعمل لأجلها. في هذا السياق يأتي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية اليوم اليت تريد تصنيف حزب الله كأهم تنظيم إرهابي، (وإلى جانب ذلك أنّ) إسرائيل تتهم حزب الله بإغراقها بالمخدرات ويطلع تقرير بدولة أوروبية ويطلع تقرير أمريكي له علاقة بالمكسيك... يعني هنا حملة من كل حدب وصوب همها وهدفها تصوير حزب الله كجماعة إرهابية وجماعة مخدرات وقتل وتزوير ومافيات وهذا ليس له أساس من الصحة على الإطلاق لأنّ حزب الله هو مقاومة شريفة وحقيقية ونظيفة ونقية وصابرة ومجاهدة ومخلصة وصادقة، والمشكلة بالنسبة إليهم أنها مقاومة جادة ومنتصرة.
سبب كل هذه الحملات الإعلامية والدعائية والتشويهية هو موقعنا وأننا نرفض المشروع الصهيوني ونرفض الإعتراف بإسرائيل ككيان غاصب ومحتل لأرض الآخرين ومقدسات الأمة، ولأننا نرفض الهيمنة الأمريكية على لبنان ومنطقتنا، هذه هي جريمتنا، والآن لو نحن بادرنا بالإتصال بالأمريكيين وقلنا لهم نحن لسنا معنيين بكل ما يسمى صراع عربي إسرائيلي، لسنا معنيين بقضية الأمة التي هي قضية فلسطين، لسنا معنيين حتى بالدفاع عن لبنان سواء دافعت السلطة اللبنانية عن لبنان أو لم تدافع، وسلاحنا لن يوجه إلى أعداء لبنان إسرائيل العدو، فلن تكون هناك مشكلة وسوف نشطب عن لوائح الإرهاب ولن نتهم بأي تهمة وسوف يجدون لنا الأعذار عن أي عمل قد نقوةم به أو نتهم به، وبالعكس لن يمانعوا بأن نحتفظ حتى بسلاحنا للداخل فهم ليس لديهم مشكلة أن يكون لدينا سلاح يوجه للداخل، الأمريكيون والإسرائيليون مشكلتهم مع سلاحنا أنّ هدفه الحقيقي هو مواجهة العدوان والإحتلال الإسرائيلي فهذا هو السبب الحقيقي ولا سبب آخر. ولو تخلينا وغيرنا جلدنا ونقلنا البندقية على الطريقة اللبنانية من كتف لكتف لأصبحنا نموذجا حضاريا ديموقراطيا يعتز به وتفاخر به كل وسائل الإعلام الغربية والأمريكية ...
لذلك أقول لجمهور المقاومة في لبنان وعلى امتداد عالمنا العربي والإسلامي أن لا تأسوا ولا تحزنوا لكل ما يوجه إليكم أو إلى المقاومين في لبنان وفلسطين وأي مكان آخر من اتهامات وشتائم، هذا أمر طبيعي، طبيعة الصراع والمواجهة، طبيعية أن يقف قوم ليدفعوا عن حقوقهم وكرامتهم وشرفهم فهذا جزء من المعركة أن يتهموا وأن يشتموا وأن يلعنوا كما أن يقتلوا وأن يأسروا وأن يشردوا وأن يهجروا وأن تدمر بيوتهم.
النقطة الأخيرة في هذا الملف، أقول لأصحاب الحملة من النظام المصري وأيضا أصحاب الحملات المشابهة في أكثر من مكان في العالم العربي أو في العالم، أنتم تضيعون أموالكم وجهودكم سداً، إذا كنتم تظنون أنّ حملة الشتم واللعن والإفتراءات والإتهامات قد تنال منا ومن إرادتنا وعزمنا وإيماننا فأنتم مشتبهون ومخطئون تماما، ولكم عبرة في حرب تموز ، 33 يوم نحن كنّا تحت القصف المتواصل وكان العالم بأغلبه يديننا من مجلس الأمن الدولي والدول الثمانية وعواصم القرار في العالم والعديد من الدول العربية وأيضا صدرت بحقنا فتاوى قاسية وعنيفة جدا وصدرت إتهامات وحملات شعواء من هنا وهناك، كنّا نقتل ونقصف وأهلنا وآباؤنا ونساؤنا وأمهاتنا وأطفالنا مهجرين ومشردين في داخل لبنان وإلى سوريا والأقطار الأخرى، ولكن طوال تلك المعركة التاريخية لم يهن لنا عزم ولم تضعف لنا إرادة ولم يتزلزل لنا إيمان. نحن أهل إيمان بالله وباليوم الآخر وبقضيتنا وطريقنا وسلامة خطنا وأحقية هذه القضية وهذا الحق، وبالتالي لا تتصوروا أنّ كل هذا يمكن أن يهز فينا مكانا من أماكن الإرادة أو العزم أو الإيمان.
أريد أن أستفيد من هذه المناسبة لإجراء مقاربة ومراجعة جديدة لكل قضية اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري وقضية التحقيق والمحكمة والحقيقة بما يخدم هذه القضية، في البداية يجب أن أتوجه إلى السادة الضباط وعائلاتهم ومحبيهم بالتهنئة بإطلاق السراح وبالعودة إلى الحرية، وفي هذه المناسبة أريد التحدث بمسؤولية وبحرص بعيدا عن أي حماسة أو عاطفة أو انفعال، لأننا نتحدث عن ملف حساس جدا وعن أخطر مرحلة من مراحل تاريخ لبنان المعاصر، ونحن ما زلنا نعيش هذه المرحلة الأخطر.
بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 أجمع اللبنانيون على إدانة الإغتيال وهذا الأمر لم يكن نقطة خلاف بين اللبنانيين، وأجمع اللبنانيون على وجوب قيام تحقيق جدي وقضائي ومتواصل لكشف الحقيقة، وأجمع اللبنانيون على وجوب معاقبة القتلة أيّا كان، هذه النقاط كلها كانت محل إجماع من اللبنانيين قبل المظاهرة في الثامن من آذار وداخل مظاهرة 8 آذار وداخل مظاهرة 14 آذار وما بعدهما، هذه النقاط لم تكن نقاط خلاف بين اللبنانيين حتى يدعيها البعض لنفسها وينفيها عن الآخرين.
هذه الإجماعات كانت لتشكل أقوى سند وضمانة لقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لو قدرنا كلبنانيين في تلك المرحلة أن نحافظ على هذا الإجماع وتصرفنا بمقتضياتها أعتقد أننا كنّا قدمنا أكبر خدمة ممكنة لقضية الرئيس الشهيد، لكن اختلف اللبنانيون على الإتهام السياسي في هذه القضية والإختلاف في الإتهام السياسي هو الذي أدّى إلى الإختلاف على جهة التحقيق. كان هناك فريق سياسي في لبنان منذ اللحظة الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكانوا لا يزالون يرفعون الجنازة إلى المستشفى، سارع هذا الفريق إلى توجيه الإتهام إلى سوريا وإلى حلفاء سوريا وإلى السلطة اللبنانية والحكومة اللبنانية في ذلك الحين بالإغتيال، ليس فقط بالإتهام بل وحكموا عليهم سياسيا وشعبيا وإعلاميا وأدانوهم وعاقبوهم أيضا وذهبوا إلى العقاب، فطالبوا الناس الطيبين من اللبنانيين أن يعاقبوا قتلة الرئيس الحريري في صناديق الإقتراع في خطابات انتخابات 2005، وبنوا كل المشروع السياسي والحركة السياسية وعلاقاتهم وتحالفاتهم وعداواتهم وصداقاتهم على أساس هذا الإتهام، حتّى معنا وكنا جزء من التحالف الرباعي، بداية المشكلة هي هذه النقطة بالذات أي أنهم ذهبوا إلى الإتهام السياسي ويريدون منّا المشي بالإتهام السياسي معهم، ولم لم نجارهم بدأ الهجوم علينا على المقاومة وعلى سلاح المقاومة والتوصيفات التي تعرفونها..
هذا الإتهام السياسي المتسرع والعنيف والقاسي والشديد والمتواصل كان يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية في لبنان وطائفية لكن الحكماء والعقلاء منعوا وصول الأمر إلى هذا الحد، وكذلك كان يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية في المنطقة واستدراج جيوش غربية وأمريكية إلى سوريا وإلى لبنان، لكن تمّ تفويت هذه الفرصة من خلال قرار الرئيس بشار الأسد بسحب القوات السورية من لبنان.
بالمقابل كان هناك فريق سياسي آخر يقول علينا أن نبقي كل الإحتمالات مفتوحة وأن نأخذ كل فرضيات الجهة التي تقف خلف عملية الإغتيال أن نأخذها بعين الإعتبار وأن ننتظر التحقيق نتائجه ولا نوجه اتهاما سياسيا لأحد لأنّ توجيه الإتهام السياسي سوف يبنى عليها أوضاعا سياسية وقانونية وشعبية وعاطفية وأحقادا وضغائنا لا نعرف أين يمكن أن تودي بالبلد. هذا الفريق السياسي الذي دعا للتحقيق ورفض توجيه الإتهام السياسي اتهم في ذلك الحين بأنه يدافع عن قتلة ويحميهم ويغطيهم ووجه بحملة ترهيب إعلامية وسياسية ونفسية وطائفية ومذهبية للأسف. وبالتأكيد نحن كنّا من هذا الفريق السياسي الآخر الذي كان يقول فلننتظر التحقيق ولا نتهم بالسياسية، وأنا قلت أكثر من مرة على التلفاز وقلت للنائب سعد الحريري أنّه إذا أثبت التحقيق أن سوريا تقف خلف عملية الإغتيال فنحن في حزب الله سنكون إلى جانبك ولا أقول أمامك لأن ذلك مزايدة، ولكن فلننتظر التحقيق. وكل حملات الترهيب في ذلك الحين لم تجبرنا ولم تقنعنا على الإطلاق في أن ندخل في جوقة الإتهام السياسي.
على قاعدة الإختلاف في هذه النقطة بالتحديد، الإتهام السياسي والتوظيف السياسي لعملية الإغتيال أدّى إلى الإختلاف على جهة التحقيق، أي من هي الجهة التي من المفترض أن تضع يدها على ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتقوم بالتحقيق، ومن هي الجهة التي يجب أن تحاكم أي من هي الجهة القضائية المعينة بالمحاكمة. بداية طالبنا بتحقيق لبناني وقضاء لبناني، اليوم الذين يدافعون منذ يومين في خطاباتهم عن القضاء اللبناني هم يومها قالوا أنّ القضاء اللبناني ضعيف وعاجز ومسيس ولا نستطيع أن نأتمنه على قضية بحجم قضية الرئيس رفيق الحريري، فرفضوا أن يكون هناك تحقيق لبناني وأن يكون هناك قضاء لبنان يحاكم من تثبت علاقته وارتباطه بعملية الإغتيال.
هذا انتهى، طالبنا بتحقيق لبناني سعودي مشترك، للإنصاف عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبلت وسورية قبلت ولم يكون للحكومة اللبنانية مشكلة والسعودية وقتها رفضت ولها حساباتها، طالبنا بتحقيق عربي رفضوا وقيل في ذلك الحين أن هذه سابقة ولا يستطيع العرب الدخول بها، طالبوا بتحقيق دولي فتحفظنا في البداية وهذا صحيح وعبرنا عن خشيتنا من التسييس والتوظيف وعدم النزاهة في التحقيق الدولي ولكن إحتراماً للفريق الآخر وإرادة الفريق الآخر وبالأخص مشاعر عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتيار العريض الذي يمثله هذا الشهيد قبلنا وأجمعنا على هذا الأمر في مؤتمر الحوار الوطني وفي أكثر من مرة شاركنا في داخل الحكومة اللبنانية بالتصويت لمصلحة التمديد للجنة التحقيق الدولية ولكن بقينا على حذرنا، والحذر والريبة لم تنتف.
تشكلت لجنة تحقيق دولية وكان أول رئيس لها ميليس بعد فترة وجيزة أمرت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ميليس بتوقيف الضباط الأربعة والإخوة عبدالعال وآخرين وبالفعل تم توقيفهم. أنا أعترف في ذاك الوقت نحن صمتنا فما هو الموضوع هل يوجد شيء؟ رغم قناعتنا بأن عملية اغتيال من هذا النوع لا يمكن أصلا أن تقوم بها مجموعة أربع ضباط كبار في البلد وأيضا تم الحديث عن مجموعة ضباط سوريين ولا ينفذ أحد عملية اغتيال في هذه الطريقة ومع ذلك كنا ننتظر لنرى لجنة التحقيق الدولية على ماذا استندت. بعد فترة وجيزة تبين أن لجنة التحقيق الدولية استندت إلى شهادة المدعو محمد زهير الصديق وشهود آخرين على شاكلته وبعد أسابيع قليلة أنا إلتقيت ببعض المسؤولين الكبار في السلطة الحالية في مواقع مختلفة وهم من الفريق الآخر وقالوا لي بصراحة لقد تبين أن محمد زهير الصديق المسمى بالشاهد الملك كذاب وملفق وشاهد زور وبعدها بأيام قليلة أيضا أصبح هذا الأمر معروفا ومتداولا في الإعلام واختفى الشاهد الملك، هنا يأتي السؤال لو كانت لجنة التحقيق الدولية واقعا تعمل بشكل قانوني وتقني وبعيدا عن التسييس وبعيدا عن مداخلات البعض من فريق الرابع عشر من آذار وبعيدا عن الدول الداعمة لهذا الفريق كان يجب أن يخرج الضباط الأربعة وبقية المعتقلين في ذلك اليوم وليس بعدما يقارب الأربع سنوات لظهور كذب الشاهد وانه مزور وملفق وانهار كل التحقيق ولا يوجد ما يدين الضباط إذا هناك عدل وإنصاف ونزاهة كان في ذلك الوقت وميليس بذاته أو من جاء بعده يأتي ويقول هؤلاء الضباط لم يثبت عليهم شيء ونحن كلجنة تحقيق نطلق سراحهم وإذا تبين شيء جديد في يوم من الأيام نعود لإستدعائهم إلى التحقيق.
هذه نزاهة وعدالة وليس الإحتفاظ بالضباط والمعتقلين كل هذه المدة الزمنية الطويلة بدون أي تحقيق وبدون مقابلات مع الشهود ومع سقوط الشهود الكذابين والمزورين عندها وأنا أقول لكم لم يطلق سراحهم لأن في ذلك الوقت المبكر كان لإطلاق سراحهم تداعيات سياسية ونفسية ومعنوية كبيرة جدا وخطيرة جدا على المشروع الآخر وعلى كل ما يجري في المنطقة ولذلك إبقي الضباط والمعتقلون الآخرون في السجون لأسباب سياسية بحتة وكان هناك في العالم وفي أكثر من مكان من يحمي ويغطي استمرار هذا الإعتقال السياسي من يتحمل مسؤولية هذا الإعتقال السياسي لأننا سندخل هنا على القرار وفهمنا له ونريد توصيفه ومنه سنطل على المرحلة المقبلة ونحاول التعاون على تصويب المسار، القيادات في الرابع عشر من آذار طوال الثلاث سنوات وثمانية أشهر من إعتقال الضباط تصريحات كثيرة جدا وحتى يوم الأربعاء أيضا أغلبهم قالوا وكانوا يحاولون الدفاع عن القضاء اللبناني أن قرار الإعتقال صادر عن لجنة التحقيق الدولية وبقاء المعتقلين في السجون كان بقرار من لجنة التحقيق الدولية.
عظيم فهم يقولون أن القضاء اللبناني لا يتحمل أي مسؤولية هذا الكلام يحتاج لتدقيق لكن أنا سأمشي مع هذا القول ومن قبيل الإستناد أنا سأذكر بهذا النص للدكتور سمير جعجع قاله بالأمس ويقول خلال مؤتمر صحافي "من اتخذ القرار بإعتقال الضباط الأربعة ليس أمين الجميل ولا سمير جعجع ولا سعد الحريري ولا وليد جنبلاط بل المحقق العدلي الألماني دتليف ميليس" ويعود ليقول في مكان آخر "هناك من يحاول الإستفادة من هذا الحدث للإنقضاض على الحكومة أو على السلطة اللبنانية مذكرا بأن الذي اتخذ القرار بتوقيف الضباط الأربعة هو دتليف ميليس ومن بعده محققون دوليون سيرج برامرتس ودانيال بلمار ولم يصدروا توصية بإطلاق الضباط الأربعة" هذا نص واضح وللذي يود المراجعة فهو موجود على الموقع الإلكتروني للقوات اللبنانية.
هنا نأتي لنسأل ولندع القضاء اللبناني جانبا ولهذا الموضوع كلام آخر وحساب آخر، ولكن انا سأمضي بتقييم الموقف وتحليله وقراءته مثلما قال الدكتور جعجع وكما يقول قادة الرابع عشر من آذار أن قرار الإعتقال من لجنة التحقيق الدولية وبقائهم ثلاث سنوات وثمانية أشهر بقرار لجنة التحقيق الدولية، وهذا يعني، أن قرار إطلاق السراح الذي صدر منذ يومين من قبل قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية وبناءا على إقتراح أو عدم ممانعة المدعي العام بالمار وبعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر، برأينا ،ونحن لا نلزم برأينا أحدا ولكن للنقاش، دليلا قاطعاً على أن لجنة التحقيق الدولية خلال عملها في كل المرحلة السابقة كانت مسيسة وغير نزيهة وغير عادلة ولا تخضع للمعايير القانونية والفنية والقضائية أبدا بدليل أنه لا يوجد شيء فلماذا ثلاث سنوات وثمانية أشهر؟
الاعتبارات السياسية التي منعت إطلاق سراح الضباط الأربعة خلال الثلاث سنوات وثمانية أشهر هي اعتبارت سياسية بحتة، وهذه إدانة برأي. وهم يقولون هذا القرار هو اثبات لنزاهة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية وحيادتها وعدالتها فلنقيم هذا الموضوع مع بعضنا البعض لكن هو في نفس الوقت إثبات بأن لجنة التحقيق الدولية وعبر المسار الذي سلكته خلال الأربع سنوات كان مساراً خاطئاً واحتجازهم للضباط والمعتقلين الآخرين كان احتجازاً سياسياً ومحكوماً للإعتبارات السياسية؟!
وهل يثبت هذا القرار الصادر عن القاضي من الآن نزاهة وحيادية المحكمة الدولية وكي نستطيع الإجابة فهناك أمر يجب أن نقوله بعد طول مدة الإعتقال ومع محاولتنا الفهم لماذا أُطلقوا بعد طول مدة الإعتقال لثلاث سنوات وثمانية أشهر فهي مدة طويلة على توقيف إحتياطي مدة طويلة على متهمين بلا دليل وبكل المعايير هي مدة طويلة وسقوط الشهادات المزيفة وإختفاء الشاهد الملك وتراجع شهود آخرين واعترافهم بأنه تم تعليمهم وفبركتهم كيف يمثلون وماذا يقولون، أصبح الأمر يفوق الفضيحة القضائية والسياسية ولم يكون هناك إمكانية لاستمرار بقاء إعتقال الضباط لأنه وصل إلى حد الفضيحة والذي جرى قبل أيام وصحيح أنه في حده الأدنى تصحيح خطأ ولكن في حده الأعلى هو إنهاء لفضيحة قضائية وسياسية، وأنا أقول لكم لو لم تشكل المحكمة وبقيت المسألة في إطار لجنة التحقيق كان يمكن لهذه المهزلة أن تستمر مدة أطول رغم كل الجهود التي بذلت. بطبيعة الحال إن تشكيل المحكمة يفرض عليها البت بمصي الموقوفين وإلا سيجعلها في موقع الإدانة منذ اليوم الأول، وهذا ليس في مصلحة المحكمة الدولية، وخصوصا أنها وجدت أمامها ملفا فارغا وملفقا ولا يمكن أن يبنى عليه شيء على الإطلاق وبالتأكيد هناك شيء يجب ان نأخذه بعين الإعتبار وهو قد شارك في تظهير أن الموضوع قد وصل إلى مستوى الفضيحة القضائية والسياسية، هي الجهود الكبيرة التي بذلت في فضح هذا الإعتقال التعسفي بشكل خاص من قبل الضباط وخاصة اللواء جميل السيد، المحامين، العائلات، قوى سياسية وقانونية وإعلامية ومدنية من لبنان وخارج لبنان.
بكل الأحوال لم يكن هناك خيار بعد أمام قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية سوى تصحيح الخطأ في الحد الأدنى أو إنهاء هذه الفضيحة، الفضيحة التي صنعتها وتتحمل مسؤوليتها لجنة التحقيق الدولية بمعزل الآن عن تقييمنا لمسؤولية القضاء اللبناني، وهنا أنا أدخل إلى المرحلة المقبلة، أنا أقول بالنسبة لرئيس لجنة التحقيق الأول هو مدان والثاني مدان لأنهم احتفظوا بالضباط كل هذه المدة بالإعتقال بدون دليل وبدون وجه حق.
أما بلمار المدعي العام الذي كان يرأس لجنة التحقيق وأصبح مدع عام، برأي هناك ثلاثة بلمار، هناك بلمار الأول رئيس لجنة التحقيق الدولية الذي شارك من سبقه في هذا الظلم الذي لحق بالضباط وبقضية الرئيس الحريري. بلمار الثاني الذي هو المدعي العام الذي أوصى بإطلاق سراح الضباط أو لم يمانع بحسب إختلاف النصوص التي نقلت وهذا موقف جيد وسليم. وهناك بلمار الثالث الذي لا نعرف عنه شيء، وبعد يوم الأربعاء هل سيكون بلمار الأول أو سيكون بلمار الثاني ماذا سيكون عليه بلمار الثالث؟ هذا بالحقيقة سؤال مشروع، وبالتالي نحن نريد أن نسأل : في المرحلة المقبلة كيف سيتصرف المدعي العام والمحققون الدوليون وأي مسارات سيسلكون في التحقيق وكيف سيتصرفون مع ما يقدم من شهود ومن شهادات ومن معطيات؟
هل سيتصرفون بشكل علمي وتقني؟ هل سترتكب نفس الأخطاء التي إرتكبت خلال الأربع سنوات من التحقيق الدولي؟ هل ستوجه من جديد اتهامات لأشخاص جدد بلا دليل وبلا حجة أو إستنادا إلى شهود زور ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات جديدة ويضيع من عمر قضية الرئيس الشهيد والحقيقة أربع سنوات جديدة؟ أم سيتم التدقيق بالدليل والحجة والشهود بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الاتهامات الجاهزة والمسبقة؟ سؤال آخر: هل ستبقى آذان المحققين الدوليين والقضاة في المحكمة الدولية مفتوحة أمام الذين صنعوا محمد زهير الصديق وكتبوا السيناريوهات وقدموا شاهد الزور تلو الآخر أم ستسد أمامهم الأبواب والأذان وأنهم سيحاسبون على تضليلهم للتحقيق على مدى أربع سنوات.
هذا سؤال كبير، لأن الذي ضلل التحقيق أربع سنوات يمكن أن يضلله 100 سنة، يملك الخلفية نفسها والدافع نفسه والإمكانية نفسها. المعلومات المتوفرة لدينا من جهات عديدة تؤكد للأسف الشديد أن الآذان والأبواب ما زالت مفتوحة أمام هذا الصنف من الناس وبعضهم مقيم حالياً في هولندا ومتفرغ لهذه المهمة. هذه أسئلة ليست للإدانة ولا للتشويش ولا للحكم المسبق وإنما هي أسئلة طبيعية ومشروعة.
منذ اليوم الأول، منذ ديتليف ميلس طالبونا أن نقبل بلا نقاش قرارات لجنة التحقيق الدولية لأنها منزهة، ونظموا قصائد في نزاهة ميليس وتقنيته وحرفيته وعظمة عمل لجنة التحقيق الدولية، وعندما جاء بريمرتز نظموا فيه قصائد أهم وأكبر، وعندما جاء بلمار كذلك، ولكن بعد أربع سنوات تبينت حقيقة التزييف والتسييس في عمل لجنة التحقيق الدولية وبقرار من قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية ليس بقرار من القضاء اللبناني ولا من أي قضاء آخر.
اليوم، أرجو ألا يطالبنا أحد مسبقاً بأن نقبل أي شيء يصدر عن المدعي العام أو عن التحقيق الدولي أو قضاة المحكمة لمجرد أنه صدر قرار صحيح قبل يومين، يجب أن ننظر هذا الاتهام الجديد على أي دليل على أي حجة على أي مستند؟ لن نقبل بعد اليوم ما قبلنا به في الأيام الأولى والأسابيع الأولى لاعتقال الضباط الأربعة. يُتهم الناس ويعتقل الناس ونبقى كلنا جالسين ننظر وممنوع على أحد أن يفتح فمه لأنه سوف يتهم بتعطيل التحقيق وبتغطية القتلة وما شاكل. هذا أمر لا يستطيع أحد أن يتساهل فيه بعد الظلم الكبير الذي لحق بالضباط والمعتقلين وبنفس قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أنا توصيفي أن القرار الصادر عن فرانسين أنهى مرحلة سوداء، اليوم نحن أمام بداية جديدة، لن نحكم عليها مسبقاً لا إيجاباً ولا سلباً، هذا إنصاف. نحن أمام مرحلة جديدة يجب على المدعي العام والتحقيق الدولي وقضاة المحكمة أن يثبتوا بأدائهم الجديد من اليوم وصاعداً أنهم علميون وحرفيون وعادلون وبعيدون عن التسييس ونزيهون، وهم قادرون على اثبات ذلك، التجربة هي التي ستثبت ذلك أو عكس ذلك.
الآن، هناك أناس يحاولون أن يقدموا قراءات أن هناك خلفيات سياسية لإطلاق سراح الضباط لها علاقة بالمتغيرات الموجودة في العالم، أنا لا أريد أن استعجل في هذا الموضوع وسأدعه جانباً.
بعد الذي حصل وإطلاق الضباط والمعتقلون، خرج فنسنت ليقول " لا يوجد لدينا حالياً متهمون"إذاً عدنا إلى البداية، وأنا هنا أنصح بكل إخلاص وبكل محبة لكل اللبنانيين لعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتياره للشعب اللبناني ولكل الذين يقولون أنهم متعاطفين وقلبهم يحرقهم على لبنان، تعالوا لنقوم بمقاربة بمراجعة وبالتالي ننظر كيف نتعاون على الوصول إلى الحقيقة وكشفها، والوقت الذي أضعناه خلال أربع سنوات لا نعود لإضاعته مجدداً، تعالوا لنكرر مجدداً الإجماع الوطني الذي تكون في البدايات في الأيام الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وإذا أردنا أن نعمل بشكل صحيح أن نضع هذه القضية على السكة، وأعتقد أن هناك نقاطاً وأمور عدة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.
الأمر الأول، هو أنه يجب محاسبة الشهود الكذبة. إذا لجنة التحقيق الدولية تعتبر أنها لم تعد معنية بهذا الموضوع، وأنا لا أعرف ماذا تعتبر، هل تعتبر أن محمد زهير الصديق وأمثاله يجب أن يعتقلوا ويحاسبوا لأنهم ضللوا التحقيق الدولي أولا ؟ لكن إذا كانوا لا يعتبرون أن هذا الأمر مسؤوليتهم، نحن اللبنانيون يجب أن نطالب القضاء اللبناني باستدعاء هؤلاء باعتقال هؤلاء وبالتحقيق مع هؤلاء وبمعاقبتهم حتى لا نفتح الباب أمام شهود زور جدد في مسار التحقيق المقبل، وبالتالي يجب أن يحاسب الشهود الكذبة وكل من صنّعهم وموّلهم وحماهم ودعمهم وغطاهم وبالتالي كل من ضلل التحقيق خلال أربع سنوات في أي موقع كان، سياسي أو إعلامي أو أمني أو قضائي، وهذا ليس لتصفية الحساب أو للتشفي وإنما "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" حتى لا يتجرأ أحد غداً لا أن يفبرك شهود زور جدد ولا يجرأ على تضليل التحقيق وتضييع سنوات جديدة على هذا الصعيد. هذا أمر يجب أن يؤخذ بجدية.
الأمر الثاني، يجب أن نضع ، أيها اللبنانيون أيها الأخوة جميعاً يا قادة القوى والتيارات السياسية، أربع سنوات مر البلد خلالها بمخاضات قاسية وصعبة جداً نتيجة اتهام سياسي، تفضلوا لنريح أعصابنا قليلاً ولو لمدة سنة ونضع الاتهام السياسي جانباً ونضع الإدانة السياسية جانباً أيضاً، هذا الاتهام السياسي والإدانة السياسية التي كادت أن تحرق لبنان وتحرق المنطقة معه، نضع الاتهام والإدانة السياسية جانباً ونعود للقول: نحن نطالب جميعاً كلبنانيين بتحقيق جدي علمي حرفي تقني موضوعي للوصول إلى الحقيقة.
الأمر الثالث هو أن يعمل القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية على هذا الموضوع ولا يكتفوا بأن هذا الأمر هو مسؤولية لجنة التحقيق الدولية وهم كانوا يعملون خلال الفترة الماضية على الموضوع ولكن بروحية جديدة التي أيضاً يجب أن نطالب بها المدعي العام بلمار والتحقيق الدولي وهي ما كنا نطالب به منذ البداية قبل أربع سنوات، افتحوا كل الاحتمالات وكل الخيارات، أربع سنوات ركب التحقيق على سكة واحدة ولم يكن مسموحاً أن يذهب إلى مكان آخر، السكة سوريا وحلفاء سوريا في لبنان، ضعوا الاحتمالات والفرضيات التي تريدونها واعملوا على الاحتمالات وعلى الفرضيات، وأنا هنا مجدداً أدعو إلى وضع الفرضية الإسرائيلية في سياق التحقيق وأن يوضع هذا الأمر في مسار جدي، تحدثت عن هذا الأمر قبل سنة وقبل سنتين وقبل ثلاث سنوات، لكن لم يجد أي آذان صاغية، لماذا؟ لأن هناك حكماً صادراً مسبقاً وهناك تحقيق مركب مصر أن يسير في مسار محدد.
يوم الأربعاء قال النائب سعد الحريري كلمة صحيحة أنا أؤيده فيها أنه لا يمكن أن يكون التنفيذ لعملية الاغتيال قام بها فرد أو مجموعة أفراد، هذا صحيح، وكل عاقل يقبل هذا الاستنتاج، لكن أنا سؤالي عندما أتحدث عن فرضية إسرائيل، هل تملك إسرائيل القدرة على تنفيذ عملية من هذا النوع؟ سؤال لكل 14 آذار ولكل اللبنانيين. لنخرج من قصة تسجيل النقاط على بعض، هل تستطيع إسرائيل أن تنفذ عملية من هذا النوع أم لا؟ لا يوجد نقاش، قطعاً هي تستطيع أن تفعل ذلك. هل تملك إسرائيل الدافع؟ نعم، قطعاً. هل تملك إسرائيل مصلحة؟ نعم وقطعاً.
إسرائيل كان لها مصلحة أن تحصل حرب طائفية في لبنان أحد أطرافها المقاومة حتى تثأر من نصر أيار ألفين كي تنتهي ممن تعتبره تهديداً أو ضمانة، إسرائيل كان لها مصلحة أن تحصل حرب إقليمية جديدة وأن لا تدخل الجيوش الأميركية إلى بغداد فقط وإنما إلى الشام وإلى بيروت أيضاً، وأن تسقط المنطقة كلها في يد أمريكا وبالتالي في يد إسرائيل واغتيال الرئيس الحريري كان بوابة يمكن أن تؤدي إلى حرب طائفية في لبنان وإلى حرب على مستوى المنطقة من خلال الاتهامات السياسية التي ركبت.
الذي يقول أن إسرائيل لا تملك الدافع لقتل الرئيس الحريري أو لا تملك المصلحة لقتل الرئيس الحريري يكون يقوم بقتل الرئيس الحريري مرة ثانية، وحتى الآن، رغم أن هذا السؤال ليس أول مرة أطرحه، لكن لم أسمع جواباً من أحد من كل 14 آذار يقول أن إسرائيل تملك الدافع أو المصلحة أو لا تملك، بل إسرائيل هي خارج دائرة الاتهام تماماً ولا حتى بنسبة صفر في المائة في دائرة الاتهام بالنسبة لهم. هذا غير منطقي، غير علمي، غير موضوعي. دعوا الأحقاد والحسابات والمنافسات جانباً ، بشكل منطقي علمي موضوعي ألا يوجد احتمال 0،1 % أو 1% ! هل اشتغلتم على هذا الاحتمال؟ لا، لم تشتغلوا. اليوم إذا عملنا على هذا المسار، وأنا لا أقول أغلقوا مسار التحقيق الذي يفترض التحقيق فيه سوريا وحلفاء سوريا، أكملوا في هذا المسار، لكن هناك المسار الإسرائيلي افتحوه واعملوا عليه.
في الأسابيع القليلة الماضية، فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ألقى القبض على عدد من الشبكات الإسرائيلية، هذا أمر جيد، لكن لو فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي منذ أربع سنوات قام بهذا الجهد الذي يبذله الآن على الشبكات الإسرائيلية كان يمكن أن نصل إلى مكان في قضية الرئيس الشهيد أم لا ؟
كان يمكن أن نصل، ألا يوجد احتمال!؟ مع العلم أن العمل على الشبكات الإسرائيلية يحتاج إلى جهد وإلى تضافر جهود الشعب اللبناني والأجهزة الأمنية كلها، الناس يجب أن تساعد في هذا الموضوع، الزوجة والأب والأم والولد والجار ، الكل يجب أن يتعاون مع الأجهزة الأمنية في هذا الموضوع، ولكن اكتشاف شبكة أو اثنين أو ثلاثة لا ينهي القصة بالنسبة للإسرائيلي، لأن الإسرائيلي في لبنان، وهذا أصبح معروفاً في البلد، غير مؤلف لتنظيم، هو يربط واحد بالضابط الإسرائيلي أو اثنين بالضابط الإسرائيلي، لا يفتح المجوعات والأشخاص على بعضهم البعض، وبالتالي يجب أن تنفذ عملية واسعة، وظاهر من خلال الشبكات التي تم توقيفها أن الوجود الأمني الإسرائيلي قوي جداً، والذي يفترض أن حزب الله يملك قدرة معلوماتية وأمنية على كشف كل هذه الشبكات، أنا سابقاً قلت هذا غير صحيح وأعود وأكرر القول هذا غير صحيح، وليس عيباً أن يعترف الواحد بمحدودية إمكاناته، والذي اكتشفته الأجهزة الأمنية لم نكن نحن قد اكتشفناه، وهناك كثير شبكات لا نحن نعرفها ولا الأجهزة الأمنية تعرفها ويجب أن نعمل جميعاً على هذا الموضوع ونكتشفه.
وأيضاً هناك سؤال طرح وأعيد طرحه، هناك عميل اعترف بعمالته وهو مدان في التحقيق عند القضاء اللبناني اسمه محمود رافع، ويعترف محمود رافع باعترافاته، الذي عثر بحوزته على أجهزة اتصال وأجهزة تصوير، أنه كان يستلم حقائب كبيرة أو أكياس سوداء موضوع بها متفجرات وكان يضعها في مخابئ معينة في جبل لبنان، وبعد مدة عندما كان يأتي لنقل أكياس أخرى كان يجد هذه الأكياس غير موجودة. لماذا غير مسموح طيلة أربع سنوات، وقد سألت هذا السؤال ولم يجب أحد عليه والآن سوف أسأل مجدداً : إلى أين كانت تذهب أكياس المتفجرات تلك؟ ألا تستطيع إسرائيل أن تدخل 2000 كلغ تي أن تي لقتل الرئيس الحريري؟
بقية العمليات التي يمكن أن يكون قد استخدم فيها كلغ أو اثنان أو عشرة أو 15 أو 25 ؟ محمود رافع يمكن إذا سلخت جلده لا يعرف من أتى وأخذ الحقائب والأكياس السوداء وأنا أصدقه لأن هذه هي طريقة عمل الإسرائيلي، يفكك المفاصل ويفكك الأفراد والشبكات عن بعضها، لكن هذا ألا يجعلنا نذهب للبحث على هؤلاء المجهولين أو الأشباح الذين أخذوا هذه الحقائب والأكياس السود وماذا فعلوا بهذه المتفجرات خلال السنوات الأربع.
تعالوا لنتعاون ونرد التحقيق إلى مساره الطبيعي والصحيح، عندما يقولوا لم نجد شيئاً خلال أربع سنوات. صحيح لم تجدوا شيئاً لأنكم لم تسلكوا المسالك الصحيحة، بل وضعتم التحقيق على سكة واحدة فلم تصلوا إلى مكان، ضعوا التحقيق على السكك الأخرى وانظروا إلى السكة الإسرائيلية هل توصل إلى مكان أم لا توصل ، وخصوصاً أنه ينكشف مع الأجهزة الأمنية أن القدرات التكنولوجية والتقنية الإسرائيلية عالية جداً وأكبر مما كنا نتصوره ويبدو أن هناك أمور جديدة حتى الآن لا نفهمها لا نحن ولا والأجهزة الأمنية، ونحتاج إلى وقت وجهد كي نستطيع فهمها، سواءً في عالم الاتصال أو عالم الالكترونيات أو المجال التقني أو التنفيذ أو جمع المعلومات، لا أريد أن أخيف الناس لكن هناك شيء جدي يجب أن نواجه بجدية لا أن نهرب لنكرر الاتهام السياسي.
ختاماً، أقدر كل المشاعر المتناقضة التي عاشتها فئات لبنانية مختلفة يوم الأربعاء، كل أناس لديهم مشاعرهم ونحن نحترم هذه المشاعر، من جهة كان من الواجب الاحتفاء بالضباط وبعائلات الضباط لأنه لحق بهم ظلم كبير وتأسس على ظلمهم وعلى اعتقالهم ما كان يمكن أن يؤدي بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه وكان ما زال قائماً. في الحقيقة أن أفهم إطلاق الضباط في تلك اللحظة هو أن هناك في مرحلة خطرة، في جزء من مرحلة خطرة يواجهها لبنان الشعب اللبناني الدولة الكيان البلد كله والمنطقة تم العبور منها، ولذلك كان يستحق الاحتفاء, لكن في المقابل، نحن نحب أن نتوجه إلى المشاعر الأخرى ونقول: يا إخواننا يا أحبائنا يا أعزائنا هذه الحادثة لا نريد لا حادثة شماتة من أحد ولا حادثة تصفية حساب مع أحد ولا حتى حادثة توظيف انتخابي، فكلنا يعرف في لبنان أنه إذا خربت الدنيا أو عمرت لن يؤثر على الانتخابات في 7 حزيران، الحديث عن تأثيرات في الانتخابات هي مبالغ بها، قد يكون هناك تأثير متواضع أو بسيط، لأن الانتخابات منتهية بسبب الاصطفافات الموجودة والساحة الرمادية أو المترددون الذين يمكن أن تؤثر بهم الأحداث الداخلية أو الإقليمية أو الدولية ويمكن أن تقلبهم من جهة إلى أخرى هم قلة.
أنا لا أريد أن أزهّد في الآثار السياسية الانتخابية لحالة إطلاق السراح، وقد قرأنا في بعض الصحف أنه كان هناك مساع لتأخير إطلاق سراحهم إلى ما بعد الانتخابات، لكن لنضع هذا الموضوع جانباً وتعالوا لنعود لإجماعنا الوطني ونصوب المسار ولا نضيع أربعة سنوات جديدة في البحث عن الحقيقة والوصول إليها التي إن وصلنا إليها قد تضع لبنان أمام خير كبير وعميم، هذا ما نتمناه جميعاً ونحرص عليه جميعاً.
مختصراً أياها من ثلاثة إلى اثنين لأن ما تفضل به رئيس كتلة الوفاء للمقاومة حول المناورة الاسرائيلية كافي في هذه المرحلة ولانه هناك وقت قبل حصولها، وجاء في كلمة سماحته:
في هذا اللقاء , في هذه الرسالة وكما اعلن سابقا كنت اود ان اتحدث عن عدة عناوين , عنوان الازمة القائمة مع النظام المصري , عنوان اطلاق سراح الضباط الاربعة , ومسالة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية , وعنوان المناورات العسكرية الاسرائيلية والمستجد على هذا الصعيد , لكن تبين لي ان الوقت لا يتسع الى الموضوعات الثلاثة وخصوصا ان الموضوع الاسرائيلي والمناورات الاسرائيلية وما قدم على طاولات الحوار والتعليقات التي صدرت حول هذا الموضوع , وجدية هذه المسالة تحتاج لوحدها الى وقت طويل ومفصل ولذلك اتركها الى الايام القليلة المقبلة , لانه ما زال هناك متسع من الوقت للحديث عن هذا الموضوع , ولذلك حديث اليوم سيتركز على عنوانين : الاول الازمة مع مصر والعنوان الثاني مسالة الضباط الاربعة والتحقيق الدولي والمحكمة الدولية وقضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري, لكن في البداية يجب ان اتوجه في هذا اليوم في عيد العمال الى جميع العمال الكادحين في لبنان والعالم للتهنئة بعيدهم واسال الله تعالى ان يتحول هذا اليوم الى عيد الى مناسبة للعمال لنقاباتهم وللاتحادات العمالية للحكومات للقوى السياسية لن يصبح يوما تنطلق فيه فعاليات جادة وحقيقية لانصاف هؤلاء العمال وحل مشكلاتهم وازماتهم وقضاياهم والاصغاء الى مطالبهم المحقة . هؤلاء العمال الذين هم في نظر الانبياء والرسل كالمجاهدين في سبيل الله لهم رتبة المجاهدين في سبيل الله , كما ورد في الحديث عن رسول الله الاعظم محمد ص " ان الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله ", هؤلاء لهم هذا المقام هذه الدرجة ويستحقون منا جميعا كل هذه العناية.
اعود الى عناوين الحديث والعنوان الاول فيما يرتبط بالازمة مع النظام المصري, كما تعرفون مضى ما يقارب ثلاثة اسابيع واكثر على هذه الازمة منذ اعلان المدعي العام المصري ما اعلنه من اتهامات وادعاءات لاخ لنا ومجموعة اخرى من الاشخاص , ومنذ ذلك الحين انطلقت حملة اعلامية دعائية سياسية واسعة وكبيرة جدا لم تقف حتى هذه اللحظة شارك فيها النظام المصري من راس النظام الى الوزارات المعنية الى الاجهزة المعنية الى وسائل الاعلام وايضا ساعد عليها اخرون من خارج مصر في العالم العربي .
في ذلك الوقت تحدثت بصراحة وعلقت على هذا الموضوع ونحن من طرفنا في حزب الله اكتفينا بشكل عام بما قلته ولم ندخل في مواجهة اعلامية وسياسية مع النظام في مصر ولم نكن طرفا في هذه المواجهة.
اذن ما كنا نشهده خلال الاسابيع الماضية وما زلنا نشهده حتى الان هي حرب اعلامية سياسية دعائية من طرف واحد هو النظام المصري , وفي الحقيقة تعليقا على هذه الحملة انا اود القول لو كان الادعاءات التي يتحدثون عنها هي ادعاءات حقيقية ولو كان هناك ملف حقيقي لما احتاجوا الى كل هذه الحملة الدعائية والاعلامية , ولو كان لديهم منطق يستندون اليه لما احتاجول الى كل هذه الشتائم والى كل هذه التعبيرات الهابطة والنابية التي للاسف لجا اليها مسؤولون كبار في النظام المصري ورؤساء تحرير وصحفيون كبار في اكثر من مكان , وهم قالوا منذ البداية ان هذه المسالة قضائية , فلو كانت هذه المسالة قضائية حقا لماذا احتاجوا الى كل هذا الجهد الاعلامي السياسي الكبير , في هذه اللحظة اتساءل ماذا حقق النظام المصري من حملته المتواصلة على حزب الله , براي لم يحقق شيئا , نعم في شغلة وحدة حققها هي "فش خلقو" يعني بالتعبير اللبناني , وفي التعبيرات الاخرى يعني نفس عن كربته.
أنا ارى هذا هو الانجاز الذي حققه حتى الان , والا ما هي النتائج السياسية والاعلامية التي تحققت حتى الان؟ هل حقق ايا من الاهداف المرجوة والمتوقعة او المفترضة؟ هل استطاع النظام من خلال هذه الحملة الواسعة ان يقنع الشعب المصري خصوصا والشعوب العربية عموما بالصورة والمشهد الذي اراد ان يقدمه عن حزب الله وعن المقاومة في لبنان , انا اقول لا, وانا انصحهم بالعودة الى جهات محايدة تجري استطلاعات راي سواء في مصر او في العالم العربي ليكتشفوا هذه الحقيقة وانا اطلعت على مجموعة استطلاعات من هذا النوع , ويمكنهم ان يسالوا من خلال استطلاعات الرأي هذه انهم هل كانوا مقنعين فيما قدموه من اتهامات وشوهوه من صورة , سيجدون انهم لم يحققوا وانهم لم يكونوا مقنعين لا للشعب المصري ولا للشعوب العربية على هذا الصعيد.
والسؤال الاخر هل بعد اعتقال الاخ سامي شهاب وكل هذه الحملة الاعلامية والسياسية والدعائية اصبح هناك اطمئنان لدى النظام المصري بان عملية قلب النظام انتهت , التي يتهم حزب الله التواطؤ فيها او تدبيرها , وسار مطمئن على النظام اليوم ؟ هل استعاد النظام المصري موقعه الاقليمي والدولي من خلال هذه الحملة ؟ بالتاكيد لا, وهل استطاع ان يشوه صورة حزب الله والى الابد؟ انا اقول لكم لا, وهل استطاع وهذه ذكرت في احد المجالات انها من الاهداف المفترضة ان يؤثر على الانتخابات اللبنانية من خلال احراج حزب الله؟ اصلا حزب الله لم يحرج من خلال هذه الاتهامات , او من خلال احراج حلفائه, انا اقول لكم لا, اذن أي هدف مفترض او متوقع لحملة النظام المصري على حزب الله حتى هذه اللحظة لم تحقق أي غاية واي هدف واي نتيجة ولم تحقق , اذا ارادوا هم ان يستمروا في هذه الحملة الاعلامية هذا شانهم لكن نحن قلنا منذ البداية لسنا في مواجهة اعلامية وسياسية.
نعم اثناء حرب غزة كان لنا موقف وكان موقف سليم وطبيعي , وانا استمعت قبل ايام للرئيس المصري يتحدث في بعض الخطب وحذر من غضب مصر وكنا نتمنى ان نرى بعض من غضب مصر عندما كان المئات من نساء واطفال غزة يقتلون والالاف المساكن تدمر وغزة تقف وحيدة لمواجهة العدوان الاسرائيلي الاميركي عليها. لكن في كل الاحوال نحن ليس في صدد الدخول في مواجهة وان اعيد واكرر ما قلته سابقا وهذا ليس جديدا نحن لم ننشىء تنظيما في مصر ولسنا في صدد ولا ننوي انشاء تنظيم في مصر , ونحن لم نستهدف لا مصر ولا امنها ولا نظمها ولا استقرارها ولسنا معنيين في شؤونها الداخلية , نحن نعمل لقضية واضحة جدا وهي دعم اخواننا الفلسطينيين وهذه هي تهمتنا وجريمتنا وذنبنا الذي نعاقب عليه.
العديد من القيادات اللبنانية والعربية دعت الى معالجة هذه الازمة بهدوء وتعقل وهذا امر صحيح وهذا ما التزمنا به منذ اليوم الاول ونحن نتابع هذه المسالة بالوسائل القانونية والقضائية وسنرى الى اين تصل , وبالتاكيد هناك جهات نثق بها ونحترمها وهي تعمل من اجل معالجة هذا الموضوع بشكل عاقل وبشكل هادىء ونامل ان تصل هذه المساعي الى النتائج المطلوبة , هنا يجب ان اتوجه بالشكر والتقدير الى كل الذين دافعوا عنا بشجاعة على امتداد العالمين العربي والاسلامي والعالم وخصوصا اولئك الذين لحق بهم الاذى بسبب دفاعهم عن المقاومة وبالاخص كل الذين دافعوا عنا داخل مصر وهم في الحقيقة كانوا يدافعون عن مصر كما يدافعون عن المقاومة في لبنان لان ما جرى هو اساءة لمصر وليس اساءة لحزب الله , اتوجه الى هؤلاء جميعا بالشكر والتقدير على وقفتهم الى جانبنا وهي وقفة الى جانب الحق والى جانب المقاومة والى جانب الامة والى وجدان وضمير هذه الامة , وليست وقفة الى جانب حزب او جهة سياسية او فئة معينة وانما هي وقفة لله وللتاريخ وجزء من المعركة الحقيقية التي تقودها امتنا منذ عقود من الزمن.
واقول للمسؤولين المصريين اذا احببتم ان تواصلوا حملتكم فهذا شانكم , ولكن هذا لن يجديكم نفعا ومع الوقت سيصبح عملا مملا واقول لكم ايضا لقد قدتم لنا بحملتكم واتهاماتكم خدمة جليلة وكبيرة نشكركم عليها , لن اشرحها الان ستظهر لوحدها مع الايام.
طبعا في هذا السياق كان ملفت جدا دخول السيد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون على الخط واطلق تصريحات ملفتة في قضية ما سمي خلية حزب الله بمصر , وارسل مبعوثه الخاص تيري رود لارسن الى القاهرة وايضا لارسن اطلق تصريحات مهمة من مصر حول هذه القضية , انا اود ان اتوقف قليلا مع النص الذي ذكره السيد بان كي مون:"عندما يتحدث عن مسالة حزب الله ومصر والخلية يقول :"بل انه لمرعب لي , انظروا التعبير , انه لمرعب لي ان حزب الله اعترف علنا بانه يقوم بتامين الدعم للميليشبات في غزة من الاراضي المصرية ", يعلق سماحته هذا كلام الامين العام للامم المتحدة لم يستخدم هذه الادبيات عندما كانت غزة تتعرض الى مذبحة والى محرقة وامام العالم كله, اكثر من 1300 شهيد اغلبهم من النساء والاطفال وماساة حقيقية واستخدام اسلحة محرمة دوليا في ظل حصار مطبق على الشعب الفلسطيني في غزة وقتل للمدنيين الفلسطينيين في مراكز منظمات تابعة للامم المتحدة لم يستخدم السيد بان كي مون هذه التعبيرات ,وعندما اتى الى الموضوع اللبناني ولم يحكي عن حزب الله يحكي عن ادانة وتنديد, ولكن لما يتكلموا عن الشبكات الاسرائيلية يقول كما اخذ علما في تقريره بالتهمة التي وجهتها الحكومة اللبنانية في 23 الشهر الجاري الى ضابط لبناني متقاعد وثلاثة معه بتهمة التجسس لمصلحة اسرائيل وقال (بان كي مون) اذا ثبت ان هذه الادعاءات صحيحة فان ذلك شكل انتهاكا لسيادة لبنان من جانب اسرائيل , بينما يرسل لارسن على القاهرة وبيطلع لارسن وبيعمل تصريحات طويلة عريضة وخطورة وتنديد وما شاكل ولم يستعمل عبارة لو ثبتت هذه التهمة لان الموضوع بعد ما انتهى قضائيا , حتى الان الاتهام هو اتهام , دعونا نقول اتهام مدعي العام اتهام الاجهزة الامنية , ولم يقل لو ثبتت هذه التهمة فاننا كذا وكذا , بل اخذ موقف ومشى.
في كل الاحوال السيد الامين العام للامم المتحدة هو واصل التصريحات سنتكلم عنها لاحقا , وهي ليس موضوع حديثنا وهي لها علاقة بشبكة الاتصالات بلبنان ونرى هنا كيف يرجع بعد سنة يذكر اللبنانيين بشبكة الاتصالات التي كادت ان تؤدي الى مصيبة كبيرة في لبنان بسبب القرارات المتعجلة في ذلك الحين وتخويف الناس وتهديد الاستقرار الى اخره.. السيد بان كي مون يزج بالامم المتحدة في مواجهة مع حزب الله ومع حركات المقاومة في المنطقة مع شعوب وضمائر ووجدان هذه المنطقة مجانا لمصلحة الكيان الصهيوني والمشروع الصهيوني في المنطقة.هذا أمر غير مناسب لا للأمم المتحدة ولا لموقع الأمم المتحدة.
في نفس هذا السياق، طبعا نحن نشهد حملة واسعة وكبيرة في أك\ثر من مكان في العالم وهذه الحملة كانت موجودة في السابق وأقول لكم سوف تكبر وتتعاظم مع الأيام، وهذا طبيعي نتيجة موقعنا وأهميتنا وموقفنا ونتيجة أهمية القضية التي نتبناها ونعمل لأجلها. في هذا السياق يأتي تقرير وزارة الخارجية الأمريكية اليوم اليت تريد تصنيف حزب الله كأهم تنظيم إرهابي، (وإلى جانب ذلك أنّ) إسرائيل تتهم حزب الله بإغراقها بالمخدرات ويطلع تقرير بدولة أوروبية ويطلع تقرير أمريكي له علاقة بالمكسيك... يعني هنا حملة من كل حدب وصوب همها وهدفها تصوير حزب الله كجماعة إرهابية وجماعة مخدرات وقتل وتزوير ومافيات وهذا ليس له أساس من الصحة على الإطلاق لأنّ حزب الله هو مقاومة شريفة وحقيقية ونظيفة ونقية وصابرة ومجاهدة ومخلصة وصادقة، والمشكلة بالنسبة إليهم أنها مقاومة جادة ومنتصرة.
سبب كل هذه الحملات الإعلامية والدعائية والتشويهية هو موقعنا وأننا نرفض المشروع الصهيوني ونرفض الإعتراف بإسرائيل ككيان غاصب ومحتل لأرض الآخرين ومقدسات الأمة، ولأننا نرفض الهيمنة الأمريكية على لبنان ومنطقتنا، هذه هي جريمتنا، والآن لو نحن بادرنا بالإتصال بالأمريكيين وقلنا لهم نحن لسنا معنيين بكل ما يسمى صراع عربي إسرائيلي، لسنا معنيين بقضية الأمة التي هي قضية فلسطين، لسنا معنيين حتى بالدفاع عن لبنان سواء دافعت السلطة اللبنانية عن لبنان أو لم تدافع، وسلاحنا لن يوجه إلى أعداء لبنان إسرائيل العدو، فلن تكون هناك مشكلة وسوف نشطب عن لوائح الإرهاب ولن نتهم بأي تهمة وسوف يجدون لنا الأعذار عن أي عمل قد نقوةم به أو نتهم به، وبالعكس لن يمانعوا بأن نحتفظ حتى بسلاحنا للداخل فهم ليس لديهم مشكلة أن يكون لدينا سلاح يوجه للداخل، الأمريكيون والإسرائيليون مشكلتهم مع سلاحنا أنّ هدفه الحقيقي هو مواجهة العدوان والإحتلال الإسرائيلي فهذا هو السبب الحقيقي ولا سبب آخر. ولو تخلينا وغيرنا جلدنا ونقلنا البندقية على الطريقة اللبنانية من كتف لكتف لأصبحنا نموذجا حضاريا ديموقراطيا يعتز به وتفاخر به كل وسائل الإعلام الغربية والأمريكية ...
لذلك أقول لجمهور المقاومة في لبنان وعلى امتداد عالمنا العربي والإسلامي أن لا تأسوا ولا تحزنوا لكل ما يوجه إليكم أو إلى المقاومين في لبنان وفلسطين وأي مكان آخر من اتهامات وشتائم، هذا أمر طبيعي، طبيعة الصراع والمواجهة، طبيعية أن يقف قوم ليدفعوا عن حقوقهم وكرامتهم وشرفهم فهذا جزء من المعركة أن يتهموا وأن يشتموا وأن يلعنوا كما أن يقتلوا وأن يأسروا وأن يشردوا وأن يهجروا وأن تدمر بيوتهم.
النقطة الأخيرة في هذا الملف، أقول لأصحاب الحملة من النظام المصري وأيضا أصحاب الحملات المشابهة في أكثر من مكان في العالم العربي أو في العالم، أنتم تضيعون أموالكم وجهودكم سداً، إذا كنتم تظنون أنّ حملة الشتم واللعن والإفتراءات والإتهامات قد تنال منا ومن إرادتنا وعزمنا وإيماننا فأنتم مشتبهون ومخطئون تماما، ولكم عبرة في حرب تموز ، 33 يوم نحن كنّا تحت القصف المتواصل وكان العالم بأغلبه يديننا من مجلس الأمن الدولي والدول الثمانية وعواصم القرار في العالم والعديد من الدول العربية وأيضا صدرت بحقنا فتاوى قاسية وعنيفة جدا وصدرت إتهامات وحملات شعواء من هنا وهناك، كنّا نقتل ونقصف وأهلنا وآباؤنا ونساؤنا وأمهاتنا وأطفالنا مهجرين ومشردين في داخل لبنان وإلى سوريا والأقطار الأخرى، ولكن طوال تلك المعركة التاريخية لم يهن لنا عزم ولم تضعف لنا إرادة ولم يتزلزل لنا إيمان. نحن أهل إيمان بالله وباليوم الآخر وبقضيتنا وطريقنا وسلامة خطنا وأحقية هذه القضية وهذا الحق، وبالتالي لا تتصوروا أنّ كل هذا يمكن أن يهز فينا مكانا من أماكن الإرادة أو العزم أو الإيمان.
أريد أن أستفيد من هذه المناسبة لإجراء مقاربة ومراجعة جديدة لكل قضية اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري وقضية التحقيق والمحكمة والحقيقة بما يخدم هذه القضية، في البداية يجب أن أتوجه إلى السادة الضباط وعائلاتهم ومحبيهم بالتهنئة بإطلاق السراح وبالعودة إلى الحرية، وفي هذه المناسبة أريد التحدث بمسؤولية وبحرص بعيدا عن أي حماسة أو عاطفة أو انفعال، لأننا نتحدث عن ملف حساس جدا وعن أخطر مرحلة من مراحل تاريخ لبنان المعاصر، ونحن ما زلنا نعيش هذه المرحلة الأخطر.
بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في شباط 2005 أجمع اللبنانيون على إدانة الإغتيال وهذا الأمر لم يكن نقطة خلاف بين اللبنانيين، وأجمع اللبنانيون على وجوب قيام تحقيق جدي وقضائي ومتواصل لكشف الحقيقة، وأجمع اللبنانيون على وجوب معاقبة القتلة أيّا كان، هذه النقاط كلها كانت محل إجماع من اللبنانيين قبل المظاهرة في الثامن من آذار وداخل مظاهرة 8 آذار وداخل مظاهرة 14 آذار وما بعدهما، هذه النقاط لم تكن نقاط خلاف بين اللبنانيين حتى يدعيها البعض لنفسها وينفيها عن الآخرين.
هذه الإجماعات كانت لتشكل أقوى سند وضمانة لقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لو قدرنا كلبنانيين في تلك المرحلة أن نحافظ على هذا الإجماع وتصرفنا بمقتضياتها أعتقد أننا كنّا قدمنا أكبر خدمة ممكنة لقضية الرئيس الشهيد، لكن اختلف اللبنانيون على الإتهام السياسي في هذه القضية والإختلاف في الإتهام السياسي هو الذي أدّى إلى الإختلاف على جهة التحقيق. كان هناك فريق سياسي في لبنان منذ اللحظة الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكانوا لا يزالون يرفعون الجنازة إلى المستشفى، سارع هذا الفريق إلى توجيه الإتهام إلى سوريا وإلى حلفاء سوريا وإلى السلطة اللبنانية والحكومة اللبنانية في ذلك الحين بالإغتيال، ليس فقط بالإتهام بل وحكموا عليهم سياسيا وشعبيا وإعلاميا وأدانوهم وعاقبوهم أيضا وذهبوا إلى العقاب، فطالبوا الناس الطيبين من اللبنانيين أن يعاقبوا قتلة الرئيس الحريري في صناديق الإقتراع في خطابات انتخابات 2005، وبنوا كل المشروع السياسي والحركة السياسية وعلاقاتهم وتحالفاتهم وعداواتهم وصداقاتهم على أساس هذا الإتهام، حتّى معنا وكنا جزء من التحالف الرباعي، بداية المشكلة هي هذه النقطة بالذات أي أنهم ذهبوا إلى الإتهام السياسي ويريدون منّا المشي بالإتهام السياسي معهم، ولم لم نجارهم بدأ الهجوم علينا على المقاومة وعلى سلاح المقاومة والتوصيفات التي تعرفونها..
هذا الإتهام السياسي المتسرع والعنيف والقاسي والشديد والمتواصل كان يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية في لبنان وطائفية لكن الحكماء والعقلاء منعوا وصول الأمر إلى هذا الحد، وكذلك كان يمكن أن تؤدي إلى حرب إقليمية في المنطقة واستدراج جيوش غربية وأمريكية إلى سوريا وإلى لبنان، لكن تمّ تفويت هذه الفرصة من خلال قرار الرئيس بشار الأسد بسحب القوات السورية من لبنان.
بالمقابل كان هناك فريق سياسي آخر يقول علينا أن نبقي كل الإحتمالات مفتوحة وأن نأخذ كل فرضيات الجهة التي تقف خلف عملية الإغتيال أن نأخذها بعين الإعتبار وأن ننتظر التحقيق نتائجه ولا نوجه اتهاما سياسيا لأحد لأنّ توجيه الإتهام السياسي سوف يبنى عليها أوضاعا سياسية وقانونية وشعبية وعاطفية وأحقادا وضغائنا لا نعرف أين يمكن أن تودي بالبلد. هذا الفريق السياسي الذي دعا للتحقيق ورفض توجيه الإتهام السياسي اتهم في ذلك الحين بأنه يدافع عن قتلة ويحميهم ويغطيهم ووجه بحملة ترهيب إعلامية وسياسية ونفسية وطائفية ومذهبية للأسف. وبالتأكيد نحن كنّا من هذا الفريق السياسي الآخر الذي كان يقول فلننتظر التحقيق ولا نتهم بالسياسية، وأنا قلت أكثر من مرة على التلفاز وقلت للنائب سعد الحريري أنّه إذا أثبت التحقيق أن سوريا تقف خلف عملية الإغتيال فنحن في حزب الله سنكون إلى جانبك ولا أقول أمامك لأن ذلك مزايدة، ولكن فلننتظر التحقيق. وكل حملات الترهيب في ذلك الحين لم تجبرنا ولم تقنعنا على الإطلاق في أن ندخل في جوقة الإتهام السياسي.
على قاعدة الإختلاف في هذه النقطة بالتحديد، الإتهام السياسي والتوظيف السياسي لعملية الإغتيال أدّى إلى الإختلاف على جهة التحقيق، أي من هي الجهة التي من المفترض أن تضع يدها على ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتقوم بالتحقيق، ومن هي الجهة التي يجب أن تحاكم أي من هي الجهة القضائية المعينة بالمحاكمة. بداية طالبنا بتحقيق لبناني وقضاء لبناني، اليوم الذين يدافعون منذ يومين في خطاباتهم عن القضاء اللبناني هم يومها قالوا أنّ القضاء اللبناني ضعيف وعاجز ومسيس ولا نستطيع أن نأتمنه على قضية بحجم قضية الرئيس رفيق الحريري، فرفضوا أن يكون هناك تحقيق لبناني وأن يكون هناك قضاء لبنان يحاكم من تثبت علاقته وارتباطه بعملية الإغتيال.
هذا انتهى، طالبنا بتحقيق لبناني سعودي مشترك، للإنصاف عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبلت وسورية قبلت ولم يكون للحكومة اللبنانية مشكلة والسعودية وقتها رفضت ولها حساباتها، طالبنا بتحقيق عربي رفضوا وقيل في ذلك الحين أن هذه سابقة ولا يستطيع العرب الدخول بها، طالبوا بتحقيق دولي فتحفظنا في البداية وهذا صحيح وعبرنا عن خشيتنا من التسييس والتوظيف وعدم النزاهة في التحقيق الدولي ولكن إحتراماً للفريق الآخر وإرادة الفريق الآخر وبالأخص مشاعر عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتيار العريض الذي يمثله هذا الشهيد قبلنا وأجمعنا على هذا الأمر في مؤتمر الحوار الوطني وفي أكثر من مرة شاركنا في داخل الحكومة اللبنانية بالتصويت لمصلحة التمديد للجنة التحقيق الدولية ولكن بقينا على حذرنا، والحذر والريبة لم تنتف.
تشكلت لجنة تحقيق دولية وكان أول رئيس لها ميليس بعد فترة وجيزة أمرت لجنة التحقيق الدولية برئاسة القاضي ميليس بتوقيف الضباط الأربعة والإخوة عبدالعال وآخرين وبالفعل تم توقيفهم. أنا أعترف في ذاك الوقت نحن صمتنا فما هو الموضوع هل يوجد شيء؟ رغم قناعتنا بأن عملية اغتيال من هذا النوع لا يمكن أصلا أن تقوم بها مجموعة أربع ضباط كبار في البلد وأيضا تم الحديث عن مجموعة ضباط سوريين ولا ينفذ أحد عملية اغتيال في هذه الطريقة ومع ذلك كنا ننتظر لنرى لجنة التحقيق الدولية على ماذا استندت. بعد فترة وجيزة تبين أن لجنة التحقيق الدولية استندت إلى شهادة المدعو محمد زهير الصديق وشهود آخرين على شاكلته وبعد أسابيع قليلة أنا إلتقيت ببعض المسؤولين الكبار في السلطة الحالية في مواقع مختلفة وهم من الفريق الآخر وقالوا لي بصراحة لقد تبين أن محمد زهير الصديق المسمى بالشاهد الملك كذاب وملفق وشاهد زور وبعدها بأيام قليلة أيضا أصبح هذا الأمر معروفا ومتداولا في الإعلام واختفى الشاهد الملك، هنا يأتي السؤال لو كانت لجنة التحقيق الدولية واقعا تعمل بشكل قانوني وتقني وبعيدا عن التسييس وبعيدا عن مداخلات البعض من فريق الرابع عشر من آذار وبعيدا عن الدول الداعمة لهذا الفريق كان يجب أن يخرج الضباط الأربعة وبقية المعتقلين في ذلك اليوم وليس بعدما يقارب الأربع سنوات لظهور كذب الشاهد وانه مزور وملفق وانهار كل التحقيق ولا يوجد ما يدين الضباط إذا هناك عدل وإنصاف ونزاهة كان في ذلك الوقت وميليس بذاته أو من جاء بعده يأتي ويقول هؤلاء الضباط لم يثبت عليهم شيء ونحن كلجنة تحقيق نطلق سراحهم وإذا تبين شيء جديد في يوم من الأيام نعود لإستدعائهم إلى التحقيق.
هذه نزاهة وعدالة وليس الإحتفاظ بالضباط والمعتقلين كل هذه المدة الزمنية الطويلة بدون أي تحقيق وبدون مقابلات مع الشهود ومع سقوط الشهود الكذابين والمزورين عندها وأنا أقول لكم لم يطلق سراحهم لأن في ذلك الوقت المبكر كان لإطلاق سراحهم تداعيات سياسية ونفسية ومعنوية كبيرة جدا وخطيرة جدا على المشروع الآخر وعلى كل ما يجري في المنطقة ولذلك إبقي الضباط والمعتقلون الآخرون في السجون لأسباب سياسية بحتة وكان هناك في العالم وفي أكثر من مكان من يحمي ويغطي استمرار هذا الإعتقال السياسي من يتحمل مسؤولية هذا الإعتقال السياسي لأننا سندخل هنا على القرار وفهمنا له ونريد توصيفه ومنه سنطل على المرحلة المقبلة ونحاول التعاون على تصويب المسار، القيادات في الرابع عشر من آذار طوال الثلاث سنوات وثمانية أشهر من إعتقال الضباط تصريحات كثيرة جدا وحتى يوم الأربعاء أيضا أغلبهم قالوا وكانوا يحاولون الدفاع عن القضاء اللبناني أن قرار الإعتقال صادر عن لجنة التحقيق الدولية وبقاء المعتقلين في السجون كان بقرار من لجنة التحقيق الدولية.
عظيم فهم يقولون أن القضاء اللبناني لا يتحمل أي مسؤولية هذا الكلام يحتاج لتدقيق لكن أنا سأمشي مع هذا القول ومن قبيل الإستناد أنا سأذكر بهذا النص للدكتور سمير جعجع قاله بالأمس ويقول خلال مؤتمر صحافي "من اتخذ القرار بإعتقال الضباط الأربعة ليس أمين الجميل ولا سمير جعجع ولا سعد الحريري ولا وليد جنبلاط بل المحقق العدلي الألماني دتليف ميليس" ويعود ليقول في مكان آخر "هناك من يحاول الإستفادة من هذا الحدث للإنقضاض على الحكومة أو على السلطة اللبنانية مذكرا بأن الذي اتخذ القرار بتوقيف الضباط الأربعة هو دتليف ميليس ومن بعده محققون دوليون سيرج برامرتس ودانيال بلمار ولم يصدروا توصية بإطلاق الضباط الأربعة" هذا نص واضح وللذي يود المراجعة فهو موجود على الموقع الإلكتروني للقوات اللبنانية.
هنا نأتي لنسأل ولندع القضاء اللبناني جانبا ولهذا الموضوع كلام آخر وحساب آخر، ولكن انا سأمضي بتقييم الموقف وتحليله وقراءته مثلما قال الدكتور جعجع وكما يقول قادة الرابع عشر من آذار أن قرار الإعتقال من لجنة التحقيق الدولية وبقائهم ثلاث سنوات وثمانية أشهر بقرار لجنة التحقيق الدولية، وهذا يعني، أن قرار إطلاق السراح الذي صدر منذ يومين من قبل قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية وبناءا على إقتراح أو عدم ممانعة المدعي العام بالمار وبعد ثلاث سنوات وثمانية أشهر، برأينا ،ونحن لا نلزم برأينا أحدا ولكن للنقاش، دليلا قاطعاً على أن لجنة التحقيق الدولية خلال عملها في كل المرحلة السابقة كانت مسيسة وغير نزيهة وغير عادلة ولا تخضع للمعايير القانونية والفنية والقضائية أبدا بدليل أنه لا يوجد شيء فلماذا ثلاث سنوات وثمانية أشهر؟
الاعتبارات السياسية التي منعت إطلاق سراح الضباط الأربعة خلال الثلاث سنوات وثمانية أشهر هي اعتبارت سياسية بحتة، وهذه إدانة برأي. وهم يقولون هذا القرار هو اثبات لنزاهة التحقيق الدولي والمحكمة الدولية وحيادتها وعدالتها فلنقيم هذا الموضوع مع بعضنا البعض لكن هو في نفس الوقت إثبات بأن لجنة التحقيق الدولية وعبر المسار الذي سلكته خلال الأربع سنوات كان مساراً خاطئاً واحتجازهم للضباط والمعتقلين الآخرين كان احتجازاً سياسياً ومحكوماً للإعتبارات السياسية؟!
وهل يثبت هذا القرار الصادر عن القاضي من الآن نزاهة وحيادية المحكمة الدولية وكي نستطيع الإجابة فهناك أمر يجب أن نقوله بعد طول مدة الإعتقال ومع محاولتنا الفهم لماذا أُطلقوا بعد طول مدة الإعتقال لثلاث سنوات وثمانية أشهر فهي مدة طويلة على توقيف إحتياطي مدة طويلة على متهمين بلا دليل وبكل المعايير هي مدة طويلة وسقوط الشهادات المزيفة وإختفاء الشاهد الملك وتراجع شهود آخرين واعترافهم بأنه تم تعليمهم وفبركتهم كيف يمثلون وماذا يقولون، أصبح الأمر يفوق الفضيحة القضائية والسياسية ولم يكون هناك إمكانية لاستمرار بقاء إعتقال الضباط لأنه وصل إلى حد الفضيحة والذي جرى قبل أيام وصحيح أنه في حده الأدنى تصحيح خطأ ولكن في حده الأعلى هو إنهاء لفضيحة قضائية وسياسية، وأنا أقول لكم لو لم تشكل المحكمة وبقيت المسألة في إطار لجنة التحقيق كان يمكن لهذه المهزلة أن تستمر مدة أطول رغم كل الجهود التي بذلت. بطبيعة الحال إن تشكيل المحكمة يفرض عليها البت بمصي الموقوفين وإلا سيجعلها في موقع الإدانة منذ اليوم الأول، وهذا ليس في مصلحة المحكمة الدولية، وخصوصا أنها وجدت أمامها ملفا فارغا وملفقا ولا يمكن أن يبنى عليه شيء على الإطلاق وبالتأكيد هناك شيء يجب ان نأخذه بعين الإعتبار وهو قد شارك في تظهير أن الموضوع قد وصل إلى مستوى الفضيحة القضائية والسياسية، هي الجهود الكبيرة التي بذلت في فضح هذا الإعتقال التعسفي بشكل خاص من قبل الضباط وخاصة اللواء جميل السيد، المحامين، العائلات، قوى سياسية وقانونية وإعلامية ومدنية من لبنان وخارج لبنان.
بكل الأحوال لم يكن هناك خيار بعد أمام قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية سوى تصحيح الخطأ في الحد الأدنى أو إنهاء هذه الفضيحة، الفضيحة التي صنعتها وتتحمل مسؤوليتها لجنة التحقيق الدولية بمعزل الآن عن تقييمنا لمسؤولية القضاء اللبناني، وهنا أنا أدخل إلى المرحلة المقبلة، أنا أقول بالنسبة لرئيس لجنة التحقيق الأول هو مدان والثاني مدان لأنهم احتفظوا بالضباط كل هذه المدة بالإعتقال بدون دليل وبدون وجه حق.
أما بلمار المدعي العام الذي كان يرأس لجنة التحقيق وأصبح مدع عام، برأي هناك ثلاثة بلمار، هناك بلمار الأول رئيس لجنة التحقيق الدولية الذي شارك من سبقه في هذا الظلم الذي لحق بالضباط وبقضية الرئيس الحريري. بلمار الثاني الذي هو المدعي العام الذي أوصى بإطلاق سراح الضباط أو لم يمانع بحسب إختلاف النصوص التي نقلت وهذا موقف جيد وسليم. وهناك بلمار الثالث الذي لا نعرف عنه شيء، وبعد يوم الأربعاء هل سيكون بلمار الأول أو سيكون بلمار الثاني ماذا سيكون عليه بلمار الثالث؟ هذا بالحقيقة سؤال مشروع، وبالتالي نحن نريد أن نسأل : في المرحلة المقبلة كيف سيتصرف المدعي العام والمحققون الدوليون وأي مسارات سيسلكون في التحقيق وكيف سيتصرفون مع ما يقدم من شهود ومن شهادات ومن معطيات؟
هل سيتصرفون بشكل علمي وتقني؟ هل سترتكب نفس الأخطاء التي إرتكبت خلال الأربع سنوات من التحقيق الدولي؟ هل ستوجه من جديد اتهامات لأشخاص جدد بلا دليل وبلا حجة أو إستنادا إلى شهود زور ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات جديدة ويضيع من عمر قضية الرئيس الشهيد والحقيقة أربع سنوات جديدة؟ أم سيتم التدقيق بالدليل والحجة والشهود بشكل علمي وموضوعي بعيدا عن الاتهامات الجاهزة والمسبقة؟ سؤال آخر: هل ستبقى آذان المحققين الدوليين والقضاة في المحكمة الدولية مفتوحة أمام الذين صنعوا محمد زهير الصديق وكتبوا السيناريوهات وقدموا شاهد الزور تلو الآخر أم ستسد أمامهم الأبواب والأذان وأنهم سيحاسبون على تضليلهم للتحقيق على مدى أربع سنوات.
هذا سؤال كبير، لأن الذي ضلل التحقيق أربع سنوات يمكن أن يضلله 100 سنة، يملك الخلفية نفسها والدافع نفسه والإمكانية نفسها. المعلومات المتوفرة لدينا من جهات عديدة تؤكد للأسف الشديد أن الآذان والأبواب ما زالت مفتوحة أمام هذا الصنف من الناس وبعضهم مقيم حالياً في هولندا ومتفرغ لهذه المهمة. هذه أسئلة ليست للإدانة ولا للتشويش ولا للحكم المسبق وإنما هي أسئلة طبيعية ومشروعة.
منذ اليوم الأول، منذ ديتليف ميلس طالبونا أن نقبل بلا نقاش قرارات لجنة التحقيق الدولية لأنها منزهة، ونظموا قصائد في نزاهة ميليس وتقنيته وحرفيته وعظمة عمل لجنة التحقيق الدولية، وعندما جاء بريمرتز نظموا فيه قصائد أهم وأكبر، وعندما جاء بلمار كذلك، ولكن بعد أربع سنوات تبينت حقيقة التزييف والتسييس في عمل لجنة التحقيق الدولية وبقرار من قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية ليس بقرار من القضاء اللبناني ولا من أي قضاء آخر.
اليوم، أرجو ألا يطالبنا أحد مسبقاً بأن نقبل أي شيء يصدر عن المدعي العام أو عن التحقيق الدولي أو قضاة المحكمة لمجرد أنه صدر قرار صحيح قبل يومين، يجب أن ننظر هذا الاتهام الجديد على أي دليل على أي حجة على أي مستند؟ لن نقبل بعد اليوم ما قبلنا به في الأيام الأولى والأسابيع الأولى لاعتقال الضباط الأربعة. يُتهم الناس ويعتقل الناس ونبقى كلنا جالسين ننظر وممنوع على أحد أن يفتح فمه لأنه سوف يتهم بتعطيل التحقيق وبتغطية القتلة وما شاكل. هذا أمر لا يستطيع أحد أن يتساهل فيه بعد الظلم الكبير الذي لحق بالضباط والمعتقلين وبنفس قضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
أنا توصيفي أن القرار الصادر عن فرانسين أنهى مرحلة سوداء، اليوم نحن أمام بداية جديدة، لن نحكم عليها مسبقاً لا إيجاباً ولا سلباً، هذا إنصاف. نحن أمام مرحلة جديدة يجب على المدعي العام والتحقيق الدولي وقضاة المحكمة أن يثبتوا بأدائهم الجديد من اليوم وصاعداً أنهم علميون وحرفيون وعادلون وبعيدون عن التسييس ونزيهون، وهم قادرون على اثبات ذلك، التجربة هي التي ستثبت ذلك أو عكس ذلك.
الآن، هناك أناس يحاولون أن يقدموا قراءات أن هناك خلفيات سياسية لإطلاق سراح الضباط لها علاقة بالمتغيرات الموجودة في العالم، أنا لا أريد أن استعجل في هذا الموضوع وسأدعه جانباً.
بعد الذي حصل وإطلاق الضباط والمعتقلون، خرج فنسنت ليقول " لا يوجد لدينا حالياً متهمون"إذاً عدنا إلى البداية، وأنا هنا أنصح بكل إخلاص وبكل محبة لكل اللبنانيين لعائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتياره للشعب اللبناني ولكل الذين يقولون أنهم متعاطفين وقلبهم يحرقهم على لبنان، تعالوا لنقوم بمقاربة بمراجعة وبالتالي ننظر كيف نتعاون على الوصول إلى الحقيقة وكشفها، والوقت الذي أضعناه خلال أربع سنوات لا نعود لإضاعته مجدداً، تعالوا لنكرر مجدداً الإجماع الوطني الذي تكون في البدايات في الأيام الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وإذا أردنا أن نعمل بشكل صحيح أن نضع هذه القضية على السكة، وأعتقد أن هناك نقاطاً وأمور عدة يجب أن نأخذها بعين الاعتبار.
الأمر الأول، هو أنه يجب محاسبة الشهود الكذبة. إذا لجنة التحقيق الدولية تعتبر أنها لم تعد معنية بهذا الموضوع، وأنا لا أعرف ماذا تعتبر، هل تعتبر أن محمد زهير الصديق وأمثاله يجب أن يعتقلوا ويحاسبوا لأنهم ضللوا التحقيق الدولي أولا ؟ لكن إذا كانوا لا يعتبرون أن هذا الأمر مسؤوليتهم، نحن اللبنانيون يجب أن نطالب القضاء اللبناني باستدعاء هؤلاء باعتقال هؤلاء وبالتحقيق مع هؤلاء وبمعاقبتهم حتى لا نفتح الباب أمام شهود زور جدد في مسار التحقيق المقبل، وبالتالي يجب أن يحاسب الشهود الكذبة وكل من صنّعهم وموّلهم وحماهم ودعمهم وغطاهم وبالتالي كل من ضلل التحقيق خلال أربع سنوات في أي موقع كان، سياسي أو إعلامي أو أمني أو قضائي، وهذا ليس لتصفية الحساب أو للتشفي وإنما "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" حتى لا يتجرأ أحد غداً لا أن يفبرك شهود زور جدد ولا يجرأ على تضليل التحقيق وتضييع سنوات جديدة على هذا الصعيد. هذا أمر يجب أن يؤخذ بجدية.
الأمر الثاني، يجب أن نضع ، أيها اللبنانيون أيها الأخوة جميعاً يا قادة القوى والتيارات السياسية، أربع سنوات مر البلد خلالها بمخاضات قاسية وصعبة جداً نتيجة اتهام سياسي، تفضلوا لنريح أعصابنا قليلاً ولو لمدة سنة ونضع الاتهام السياسي جانباً ونضع الإدانة السياسية جانباً أيضاً، هذا الاتهام السياسي والإدانة السياسية التي كادت أن تحرق لبنان وتحرق المنطقة معه، نضع الاتهام والإدانة السياسية جانباً ونعود للقول: نحن نطالب جميعاً كلبنانيين بتحقيق جدي علمي حرفي تقني موضوعي للوصول إلى الحقيقة.
الأمر الثالث هو أن يعمل القضاء اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية على هذا الموضوع ولا يكتفوا بأن هذا الأمر هو مسؤولية لجنة التحقيق الدولية وهم كانوا يعملون خلال الفترة الماضية على الموضوع ولكن بروحية جديدة التي أيضاً يجب أن نطالب بها المدعي العام بلمار والتحقيق الدولي وهي ما كنا نطالب به منذ البداية قبل أربع سنوات، افتحوا كل الاحتمالات وكل الخيارات، أربع سنوات ركب التحقيق على سكة واحدة ولم يكن مسموحاً أن يذهب إلى مكان آخر، السكة سوريا وحلفاء سوريا في لبنان، ضعوا الاحتمالات والفرضيات التي تريدونها واعملوا على الاحتمالات وعلى الفرضيات، وأنا هنا مجدداً أدعو إلى وضع الفرضية الإسرائيلية في سياق التحقيق وأن يوضع هذا الأمر في مسار جدي، تحدثت عن هذا الأمر قبل سنة وقبل سنتين وقبل ثلاث سنوات، لكن لم يجد أي آذان صاغية، لماذا؟ لأن هناك حكماً صادراً مسبقاً وهناك تحقيق مركب مصر أن يسير في مسار محدد.
يوم الأربعاء قال النائب سعد الحريري كلمة صحيحة أنا أؤيده فيها أنه لا يمكن أن يكون التنفيذ لعملية الاغتيال قام بها فرد أو مجموعة أفراد، هذا صحيح، وكل عاقل يقبل هذا الاستنتاج، لكن أنا سؤالي عندما أتحدث عن فرضية إسرائيل، هل تملك إسرائيل القدرة على تنفيذ عملية من هذا النوع؟ سؤال لكل 14 آذار ولكل اللبنانيين. لنخرج من قصة تسجيل النقاط على بعض، هل تستطيع إسرائيل أن تنفذ عملية من هذا النوع أم لا؟ لا يوجد نقاش، قطعاً هي تستطيع أن تفعل ذلك. هل تملك إسرائيل الدافع؟ نعم، قطعاً. هل تملك إسرائيل مصلحة؟ نعم وقطعاً.
إسرائيل كان لها مصلحة أن تحصل حرب طائفية في لبنان أحد أطرافها المقاومة حتى تثأر من نصر أيار ألفين كي تنتهي ممن تعتبره تهديداً أو ضمانة، إسرائيل كان لها مصلحة أن تحصل حرب إقليمية جديدة وأن لا تدخل الجيوش الأميركية إلى بغداد فقط وإنما إلى الشام وإلى بيروت أيضاً، وأن تسقط المنطقة كلها في يد أمريكا وبالتالي في يد إسرائيل واغتيال الرئيس الحريري كان بوابة يمكن أن تؤدي إلى حرب طائفية في لبنان وإلى حرب على مستوى المنطقة من خلال الاتهامات السياسية التي ركبت.
الذي يقول أن إسرائيل لا تملك الدافع لقتل الرئيس الحريري أو لا تملك المصلحة لقتل الرئيس الحريري يكون يقوم بقتل الرئيس الحريري مرة ثانية، وحتى الآن، رغم أن هذا السؤال ليس أول مرة أطرحه، لكن لم أسمع جواباً من أحد من كل 14 آذار يقول أن إسرائيل تملك الدافع أو المصلحة أو لا تملك، بل إسرائيل هي خارج دائرة الاتهام تماماً ولا حتى بنسبة صفر في المائة في دائرة الاتهام بالنسبة لهم. هذا غير منطقي، غير علمي، غير موضوعي. دعوا الأحقاد والحسابات والمنافسات جانباً ، بشكل منطقي علمي موضوعي ألا يوجد احتمال 0،1 % أو 1% ! هل اشتغلتم على هذا الاحتمال؟ لا، لم تشتغلوا. اليوم إذا عملنا على هذا المسار، وأنا لا أقول أغلقوا مسار التحقيق الذي يفترض التحقيق فيه سوريا وحلفاء سوريا، أكملوا في هذا المسار، لكن هناك المسار الإسرائيلي افتحوه واعملوا عليه.
في الأسابيع القليلة الماضية، فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ألقى القبض على عدد من الشبكات الإسرائيلية، هذا أمر جيد، لكن لو فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي منذ أربع سنوات قام بهذا الجهد الذي يبذله الآن على الشبكات الإسرائيلية كان يمكن أن نصل إلى مكان في قضية الرئيس الشهيد أم لا ؟
كان يمكن أن نصل، ألا يوجد احتمال!؟ مع العلم أن العمل على الشبكات الإسرائيلية يحتاج إلى جهد وإلى تضافر جهود الشعب اللبناني والأجهزة الأمنية كلها، الناس يجب أن تساعد في هذا الموضوع، الزوجة والأب والأم والولد والجار ، الكل يجب أن يتعاون مع الأجهزة الأمنية في هذا الموضوع، ولكن اكتشاف شبكة أو اثنين أو ثلاثة لا ينهي القصة بالنسبة للإسرائيلي، لأن الإسرائيلي في لبنان، وهذا أصبح معروفاً في البلد، غير مؤلف لتنظيم، هو يربط واحد بالضابط الإسرائيلي أو اثنين بالضابط الإسرائيلي، لا يفتح المجوعات والأشخاص على بعضهم البعض، وبالتالي يجب أن تنفذ عملية واسعة، وظاهر من خلال الشبكات التي تم توقيفها أن الوجود الأمني الإسرائيلي قوي جداً، والذي يفترض أن حزب الله يملك قدرة معلوماتية وأمنية على كشف كل هذه الشبكات، أنا سابقاً قلت هذا غير صحيح وأعود وأكرر القول هذا غير صحيح، وليس عيباً أن يعترف الواحد بمحدودية إمكاناته، والذي اكتشفته الأجهزة الأمنية لم نكن نحن قد اكتشفناه، وهناك كثير شبكات لا نحن نعرفها ولا الأجهزة الأمنية تعرفها ويجب أن نعمل جميعاً على هذا الموضوع ونكتشفه.
وأيضاً هناك سؤال طرح وأعيد طرحه، هناك عميل اعترف بعمالته وهو مدان في التحقيق عند القضاء اللبناني اسمه محمود رافع، ويعترف محمود رافع باعترافاته، الذي عثر بحوزته على أجهزة اتصال وأجهزة تصوير، أنه كان يستلم حقائب كبيرة أو أكياس سوداء موضوع بها متفجرات وكان يضعها في مخابئ معينة في جبل لبنان، وبعد مدة عندما كان يأتي لنقل أكياس أخرى كان يجد هذه الأكياس غير موجودة. لماذا غير مسموح طيلة أربع سنوات، وقد سألت هذا السؤال ولم يجب أحد عليه والآن سوف أسأل مجدداً : إلى أين كانت تذهب أكياس المتفجرات تلك؟ ألا تستطيع إسرائيل أن تدخل 2000 كلغ تي أن تي لقتل الرئيس الحريري؟
بقية العمليات التي يمكن أن يكون قد استخدم فيها كلغ أو اثنان أو عشرة أو 15 أو 25 ؟ محمود رافع يمكن إذا سلخت جلده لا يعرف من أتى وأخذ الحقائب والأكياس السوداء وأنا أصدقه لأن هذه هي طريقة عمل الإسرائيلي، يفكك المفاصل ويفكك الأفراد والشبكات عن بعضها، لكن هذا ألا يجعلنا نذهب للبحث على هؤلاء المجهولين أو الأشباح الذين أخذوا هذه الحقائب والأكياس السود وماذا فعلوا بهذه المتفجرات خلال السنوات الأربع.
تعالوا لنتعاون ونرد التحقيق إلى مساره الطبيعي والصحيح، عندما يقولوا لم نجد شيئاً خلال أربع سنوات. صحيح لم تجدوا شيئاً لأنكم لم تسلكوا المسالك الصحيحة، بل وضعتم التحقيق على سكة واحدة فلم تصلوا إلى مكان، ضعوا التحقيق على السكك الأخرى وانظروا إلى السكة الإسرائيلية هل توصل إلى مكان أم لا توصل ، وخصوصاً أنه ينكشف مع الأجهزة الأمنية أن القدرات التكنولوجية والتقنية الإسرائيلية عالية جداً وأكبر مما كنا نتصوره ويبدو أن هناك أمور جديدة حتى الآن لا نفهمها لا نحن ولا والأجهزة الأمنية، ونحتاج إلى وقت وجهد كي نستطيع فهمها، سواءً في عالم الاتصال أو عالم الالكترونيات أو المجال التقني أو التنفيذ أو جمع المعلومات، لا أريد أن أخيف الناس لكن هناك شيء جدي يجب أن نواجه بجدية لا أن نهرب لنكرر الاتهام السياسي.
ختاماً، أقدر كل المشاعر المتناقضة التي عاشتها فئات لبنانية مختلفة يوم الأربعاء، كل أناس لديهم مشاعرهم ونحن نحترم هذه المشاعر، من جهة كان من الواجب الاحتفاء بالضباط وبعائلات الضباط لأنه لحق بهم ظلم كبير وتأسس على ظلمهم وعلى اعتقالهم ما كان يمكن أن يؤدي بالبلد إلى ما لا تحمد عقباه وكان ما زال قائماً. في الحقيقة أن أفهم إطلاق الضباط في تلك اللحظة هو أن هناك في مرحلة خطرة، في جزء من مرحلة خطرة يواجهها لبنان الشعب اللبناني الدولة الكيان البلد كله والمنطقة تم العبور منها، ولذلك كان يستحق الاحتفاء, لكن في المقابل، نحن نحب أن نتوجه إلى المشاعر الأخرى ونقول: يا إخواننا يا أحبائنا يا أعزائنا هذه الحادثة لا نريد لا حادثة شماتة من أحد ولا حادثة تصفية حساب مع أحد ولا حتى حادثة توظيف انتخابي، فكلنا يعرف في لبنان أنه إذا خربت الدنيا أو عمرت لن يؤثر على الانتخابات في 7 حزيران، الحديث عن تأثيرات في الانتخابات هي مبالغ بها، قد يكون هناك تأثير متواضع أو بسيط، لأن الانتخابات منتهية بسبب الاصطفافات الموجودة والساحة الرمادية أو المترددون الذين يمكن أن تؤثر بهم الأحداث الداخلية أو الإقليمية أو الدولية ويمكن أن تقلبهم من جهة إلى أخرى هم قلة.
أنا لا أريد أن أزهّد في الآثار السياسية الانتخابية لحالة إطلاق السراح، وقد قرأنا في بعض الصحف أنه كان هناك مساع لتأخير إطلاق سراحهم إلى ما بعد الانتخابات، لكن لنضع هذا الموضوع جانباً وتعالوا لنعود لإجماعنا الوطني ونصوب المسار ولا نضيع أربعة سنوات جديدة في البحث عن الحقيقة والوصول إليها التي إن وصلنا إليها قد تضع لبنان أمام خير كبير وعميم، هذا ما نتمناه جميعاً ونحرص عليه جميعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق