في الصباح الباكر من يوم الخميس الواقع في الثامن عشر من أيار للعام 2000، سقط موقع البياضة، أحد أهم مواقع العدو الإسرائيلي وعملائه في القطاع الغربي. ومعه، سقط مخطط العدو بتسليم مهمة حماية الشريط الأمني إلى جيش لبنان الجنوبي.. قبل أقل من أسبوع واحد على التحرير.
هو خبر يعرفه الجميع ربما، لكن القصة الكاملة يرويها أحد ضباط المقاومة، المسؤول عن محور القطاع الغربي في الجنوب، في مرحلة ما قبل التحرير. هنا تفاصيلها.. [[[ مرّ عمل المقاومة، قبل التحرير، بمراحل عدة، وفي كل مرحلة كانت تتبع تكتيكات مختلفة بحسب اختلاف الأهداف. كانت العمليات تستهدف إنهاك الإسرائيليين واستنزافهم. وهذا الهدف يتطلب تحقيق اختراقات عسكرية إلى «الداخل»، على اعتبار أن جيش العدو جعل منطقة «القشرة»، أي منطقة التماس، من مسؤولية جيش لحد تفادياً لوقوع خسائر في صفوفه هو. لذا، كانت المقاومة «توفّر» الجندي اللحدي، لصالح اصطياد الجندي الإسرائيلي. ولكن، في المرحلة التي سبقت التحرير مباشرة، كان هدف العمليات العسكرية للمقاومة ينصب على تفكيك جيش لحد وتدميره بأي طريقة ممكنة وذلك لأن الإسرائيلي كان يدفع لأن يكون جيش لحد هو البديل عنه بعد انسحابه. رصدت قيادة»حزب الله» والمقاومة إشارات كثيرة تدلّ على ذلك، منها انكفاء العدو إلى المواقع الخلفية، وتسليم عدد كبير من المواقع للعملاء، وتزويدهم بأسلحة متطورة، وتكليف جيش لحد بمهام جديدة لم يكن يكلف بها سابقا.. وتنظيم هذه العمليات لتكون قادرة على حماية الشريط المحتل. إذاً، تحوّلت أولوية المقاومة إلى تدمير جيش لحد، ليس فقط من خلال إلحاق الضرر العسكري بوحداته، بل من خلال سلب الروح القتالية والمعنوية عند جنوده. وأيضا، سلب القناعة لدى قادته وقادة كيان العدو في قدرة اللحديين على حماية «الحزام الأمني». صارت نية العدو واضحة. وبهدف إفشالها، كان لا بد من عمل عسكري ضخم، يكسر جيش لحد ومخططات العدو. فوقع الاختيار على موقع البياضة. [[[ يعدّ موقع البياضة نقطة متقدمة لحماية الشريط الحدودي المحتل من الاختراق. وهو موقع تأمينيّ هام يحمي موقع الرادار من جهة، ومن أخرى موقع الحردون، أي مركز قيادة الفوج 81 اللحدي. وفي الوقت نفسه، يشكل مركز إسناد قريب لموقع الحمراء الذي يحمي المعبر. مع منظومة المواقع الأخرى، يشكل الموقع سدا منيعا أمام محاولات المقاومة اختراق الحزام الأمني. وكثافة المواقع تعود الى أهمية المنطقة. فهي تشكل المعبر الوحيد، تقريبا، من المنطقة المحررة باتجاه الحزام الأمني. هذا الحزام تنظر اليه إسرائيل على أنه «منطقة تأمينية» تفصل بين شمالي فلسطين المحتلة وبين المنطقة المحررة من جنوب لبنان. في اجتياح العام 1978 وصل العدو إلى البياضة، ثم استقر على طول الشريط الحدودي للمنطقة المحتلة بعد اجتياح 1982. اختار السلسلة الممتدة من البيّاضة الى شمع، وشيحين، وبيت ليف.. وصولا الى رشيف وحداثا وبرعشيت. بنى مراكزه ودشمه على طول هذا الخط الذي يفصل بين المنطقتين المحررة والمحتلة، وجعل هذا القطاع من مسؤولية الفوج 81، جيش لبنان الجنوبي. موقع الرادار الاستراتيجي، موقع الحمراء لحماية المعبر، موقع شمع، طير حرفا.. وموقع البياضة، هذه المواقع التي تتبع جميعها للقيادة ذاتها، تشرف من حيث تقيم على أعلى السلسلة، على السهل الممتد الى مدينة صور. خلفها، أقام العدو مواقع إسناد ودعم، منها موقع يارين ومينا الناقورة، ثم عددا من المواقع الخلفية، منها موقع جل العلم الذي يعدّ من بين أهم عشرة مواقع عسكرية للكيان. [[[ في 18 أيار 2000، أي قبل نحو أسبوع من التحرير، هاجمت المقاومة موقع البيّاضة. كان الموقع، قبل هذا التاريخ، ينال نصيبه من العمليات كأي موقع آخر. إرباكه يوميا بالقصف واستهداف دورياته وضرب البديل الأسبوعي، أي عند تبديل القوات، كان هدفا أساسيا لعمل المقاومة. في 18 أيار 2000، نفّذ الهجوم. لكن تحركاً معقداً سبق تنفيذ العملية. شاركت في الهجوم مجموعة كبيرة من المقاومين، واستخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، في عمل منظّم ومتشابك استهدف شلّ القدرة العسكرية لجيش العدو وجيش لحد. لحظت المقاومة، عند التخطيط للعملية، الموقع الجغرافي للمركز المستهدف. فموقع البياضة يقع في نقطة يشرف عليها موقعا الحردون والحمراء، في دعم متقابل في ما بينها. إليها يضاف موقع الرادار، القادر على التدخل بسهولة لإسناد أي من تلك المواقع. وحتى تتمكن المقاومة من الدخول إلى موقع البياضة، كان لا بد من منع تدخل هذه المواقع، وأيضا تأمين مسرح العملية من قصف مدفعيات العدو. لم تترك المقاومة تفصيلاً صغيراً إلا واستعدت له. حتى أنها استخدمت، لضمان نجاح العملية، «مفاجأة» لم يكن أحد يتوقعها. والهدف: إسقاط الموقع عسكرياً، واقتحامه بسيارة مفخخة لتدميره كلياً. بالإضافة إلى إلحاق أكبر ضرر ممكن بالمواقع الأخرى. [[[ أنبأت كثافة تحركات المقاومين تحت أنظار مواقع العدو التي تكشف السهل الممتد تحت الشريط المحتل، الإسرائيليين بأن هجوماً كبيراً آت. كان الإسرائيليون يعرفون أن أمراً ما سيقع، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد تفاصيله. علمت المقاومة بشكوك العدو، فتحسبت له من دون أن تلغي العملية، على الرغم من خسارة عنصر المفاجأة الذي كانت تعتمد عليه كعنصر أساسي لنجاح عملياتها. لكنها أصرت على التنفيذ لأن التأجيل كان سيعني إلغاء العملية ، باعتبار أن انسحاب جنود الاحتلال بات وشيكاً. استعدت المقاومة لكل الاحتمالات، ونصبت هي الفخ للعدو. [[[ استعدت مجموعات المقاومة في نقاط مرابطتها. كان العدو قد احتاط، فأمر جميع قوات جيش لحد بالانسحاب من المواقع. انتظرت المقاومة نقطة الصفر لبدء الهجوم. لكن جنود لحد لم يعودوا إلى مواقعهم. كانت الشمس قد شارفت على الشروق. بالنسبة إلى المقاومة فإن شروق الشمس يعني تهديد سلامة رجالها، إذ يخرج الناس والفلاحون إلى حقولهم. كما أن البدء بالعملية، بينما جنود العدو خارج المواقع، يعني كشف مصادر نيران المقاومة أمام أنظار العدو المختبئ. أشرقت الشمس، والمقاومون ما زالوا في مواقعهم. نجحت المرحلة الأولى من الخطة: ظن الإسرائيلي أن العملية تأجلت. فهو اعتاد أن تعمل المقاومة في الليل فقط. نجحت الخطة، وأمر العدو بعودة الجنود إلى المواقع. دقائق فقط، وسمع الإسرائيليون واللحديون في المواقع الأمامية هدير دبابة يشق هدوء الصبح. كان أمراً غير متوقع نهائياً. بدأت المرحلة الثانية من الخطة: أخرجت المقاومة دبابة «ت 55» من مخبئها. هي آلية لم تستخدم في عمل المقاومة، لا قبل العملية ولا بعدها. توجهت الدبابة إلى مربضها في مواجهة موقع طير حرفا، في القطاع الشرقي وخرجت برفقتها المدفعيات التي بدأت تقصف الموقع، بعيداً عن القطاع الغربي، المسرح الحقيقي للعملية. نجحت خطة صرف أنظار العدو: ظن الإسرائيلي أن العملية الفعلية تستهدف موقع طير حرفا، فركّز قوته نحو القطاع الشرقي. وصدق ظن المقاومة: انطلقت قذائف المدفعيات والدبابات الإسرائيلية التي كانت جاهزة للتدخل. وبدأ طيران العدو ومروحياته، مباشرة، يغير على مرابض دبابة المقاومة ومدفعياتها، بينما يحتاج سلاح الجو، عادة، إلى ما بين 15 و20 دقيقة ليستعد للهجوم. في تلك الأثناء، بدأ تنفيذ عملية «موقع البياضة»: ستار هائل من النيران أصاب كافة مواقع سلسلة القطاع الغربي دفعة واحدة، بالأسلحة المباشرة والموجهة. هجوم صاروخي على مرابض المدفعية الإسرائيلية منعها من التدخل. وتحت ذلك الستار، اقتحمت مجموعة المقاومة الموقع في غضون ثلاث دقائق فقط، وتمكن رجال المجموعة من الانسحاب من الموقع وتدمير دشمه وتحصيناته، من دون أي تدخل عسكري إسرائيلي على الإطلاق.. وحده تدخل زورق حربي من طراز «ساعر 4،30»، وهو زورق عسكري من الجيل السابق مباشرة لجيل تلك البارجة التي دمرتها المقاومة في حرب تموز 2006. لم تكن المقاومة لتباشر هجومها من دون الاستعداد لمختلف الاحتمالات. فما إن اقترب الزورق حتى بادرت إلى رميه بصليات من راجماتها، كانت كفيلة بإرباكه ودفعه إلى التراجع بعيدا. نجحت العملية، لكن السيارة المفخخة التي كانت جاهزة لاقتحام الموقع ظلت متوقفة في مكانها. [[[ في اللحظات الأخيرة التي سبقت تنفيذ العملية، سأل الشهيد الحاج رضوان ضابط العملية: كم يبعد الموقع عن منازل البياضة؟ تأتي الإجابة: ستمئة متر تقريباً. فأمر بإيقاف السيارة فوراً والعدول عن تدمير المركز، كي لا تصل شظايا الانفجار إلى المنازل فتضر بها وبساكنيها. تلك المنازل القريبة من الموقع كانت لعناصر من جيش لحد. [[[ سقط للمقاومة في عملية البياضة شهيدان. أحدهما في مربض المدفعية، أصابته قذيفة دبابة حاولت التقدم فدُمــرت. الآخر كان مسعفا أصابه رصاص أطلقه جنود موقع الحمراء عشوائيا. أما في عملية «طير حرفا» فنجا المقاومون جميعا، بمن فيهم من كان في دبابة المقاومة التي لم تدمّر إلاّ في الغارة التاسعة. في المقابل، سقط للعدو عدد كبير من القتلى والجرحى، بعضهم كان في دبابات دمرت بينما كانت تحاول التحرك لدعم الموقع. في اليوم التالي للعملية، وصلت رسائل للمقاومة، يعرض فيها جنود جيش لحد تسليم أنفسهم، من مواقع طير حرفا، الحردون، الحمراء، البياضة، وغيرها.. حتى خلت المواقع كلها من اللحدين، وصولاً إلى يوم التحرير. وفي الطريق إلى الأرض التي كانت محتلة، وجد المقاومون أرتالاً من الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية متوقفة في مكانها، ومدافعها تتجه نحو فلسطين المحتلة.
هو خبر يعرفه الجميع ربما، لكن القصة الكاملة يرويها أحد ضباط المقاومة، المسؤول عن محور القطاع الغربي في الجنوب، في مرحلة ما قبل التحرير. هنا تفاصيلها.. [[[ مرّ عمل المقاومة، قبل التحرير، بمراحل عدة، وفي كل مرحلة كانت تتبع تكتيكات مختلفة بحسب اختلاف الأهداف. كانت العمليات تستهدف إنهاك الإسرائيليين واستنزافهم. وهذا الهدف يتطلب تحقيق اختراقات عسكرية إلى «الداخل»، على اعتبار أن جيش العدو جعل منطقة «القشرة»، أي منطقة التماس، من مسؤولية جيش لحد تفادياً لوقوع خسائر في صفوفه هو. لذا، كانت المقاومة «توفّر» الجندي اللحدي، لصالح اصطياد الجندي الإسرائيلي. ولكن، في المرحلة التي سبقت التحرير مباشرة، كان هدف العمليات العسكرية للمقاومة ينصب على تفكيك جيش لحد وتدميره بأي طريقة ممكنة وذلك لأن الإسرائيلي كان يدفع لأن يكون جيش لحد هو البديل عنه بعد انسحابه. رصدت قيادة»حزب الله» والمقاومة إشارات كثيرة تدلّ على ذلك، منها انكفاء العدو إلى المواقع الخلفية، وتسليم عدد كبير من المواقع للعملاء، وتزويدهم بأسلحة متطورة، وتكليف جيش لحد بمهام جديدة لم يكن يكلف بها سابقا.. وتنظيم هذه العمليات لتكون قادرة على حماية الشريط المحتل. إذاً، تحوّلت أولوية المقاومة إلى تدمير جيش لحد، ليس فقط من خلال إلحاق الضرر العسكري بوحداته، بل من خلال سلب الروح القتالية والمعنوية عند جنوده. وأيضا، سلب القناعة لدى قادته وقادة كيان العدو في قدرة اللحديين على حماية «الحزام الأمني». صارت نية العدو واضحة. وبهدف إفشالها، كان لا بد من عمل عسكري ضخم، يكسر جيش لحد ومخططات العدو. فوقع الاختيار على موقع البياضة. [[[ يعدّ موقع البياضة نقطة متقدمة لحماية الشريط الحدودي المحتل من الاختراق. وهو موقع تأمينيّ هام يحمي موقع الرادار من جهة، ومن أخرى موقع الحردون، أي مركز قيادة الفوج 81 اللحدي. وفي الوقت نفسه، يشكل مركز إسناد قريب لموقع الحمراء الذي يحمي المعبر. مع منظومة المواقع الأخرى، يشكل الموقع سدا منيعا أمام محاولات المقاومة اختراق الحزام الأمني. وكثافة المواقع تعود الى أهمية المنطقة. فهي تشكل المعبر الوحيد، تقريبا، من المنطقة المحررة باتجاه الحزام الأمني. هذا الحزام تنظر اليه إسرائيل على أنه «منطقة تأمينية» تفصل بين شمالي فلسطين المحتلة وبين المنطقة المحررة من جنوب لبنان. في اجتياح العام 1978 وصل العدو إلى البياضة، ثم استقر على طول الشريط الحدودي للمنطقة المحتلة بعد اجتياح 1982. اختار السلسلة الممتدة من البيّاضة الى شمع، وشيحين، وبيت ليف.. وصولا الى رشيف وحداثا وبرعشيت. بنى مراكزه ودشمه على طول هذا الخط الذي يفصل بين المنطقتين المحررة والمحتلة، وجعل هذا القطاع من مسؤولية الفوج 81، جيش لبنان الجنوبي. موقع الرادار الاستراتيجي، موقع الحمراء لحماية المعبر، موقع شمع، طير حرفا.. وموقع البياضة، هذه المواقع التي تتبع جميعها للقيادة ذاتها، تشرف من حيث تقيم على أعلى السلسلة، على السهل الممتد الى مدينة صور. خلفها، أقام العدو مواقع إسناد ودعم، منها موقع يارين ومينا الناقورة، ثم عددا من المواقع الخلفية، منها موقع جل العلم الذي يعدّ من بين أهم عشرة مواقع عسكرية للكيان. [[[ في 18 أيار 2000، أي قبل نحو أسبوع من التحرير، هاجمت المقاومة موقع البيّاضة. كان الموقع، قبل هذا التاريخ، ينال نصيبه من العمليات كأي موقع آخر. إرباكه يوميا بالقصف واستهداف دورياته وضرب البديل الأسبوعي، أي عند تبديل القوات، كان هدفا أساسيا لعمل المقاومة. في 18 أيار 2000، نفّذ الهجوم. لكن تحركاً معقداً سبق تنفيذ العملية. شاركت في الهجوم مجموعة كبيرة من المقاومين، واستخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، في عمل منظّم ومتشابك استهدف شلّ القدرة العسكرية لجيش العدو وجيش لحد. لحظت المقاومة، عند التخطيط للعملية، الموقع الجغرافي للمركز المستهدف. فموقع البياضة يقع في نقطة يشرف عليها موقعا الحردون والحمراء، في دعم متقابل في ما بينها. إليها يضاف موقع الرادار، القادر على التدخل بسهولة لإسناد أي من تلك المواقع. وحتى تتمكن المقاومة من الدخول إلى موقع البياضة، كان لا بد من منع تدخل هذه المواقع، وأيضا تأمين مسرح العملية من قصف مدفعيات العدو. لم تترك المقاومة تفصيلاً صغيراً إلا واستعدت له. حتى أنها استخدمت، لضمان نجاح العملية، «مفاجأة» لم يكن أحد يتوقعها. والهدف: إسقاط الموقع عسكرياً، واقتحامه بسيارة مفخخة لتدميره كلياً. بالإضافة إلى إلحاق أكبر ضرر ممكن بالمواقع الأخرى. [[[ أنبأت كثافة تحركات المقاومين تحت أنظار مواقع العدو التي تكشف السهل الممتد تحت الشريط المحتل، الإسرائيليين بأن هجوماً كبيراً آت. كان الإسرائيليون يعرفون أن أمراً ما سيقع، لكنهم لم يتمكنوا من تحديد تفاصيله. علمت المقاومة بشكوك العدو، فتحسبت له من دون أن تلغي العملية، على الرغم من خسارة عنصر المفاجأة الذي كانت تعتمد عليه كعنصر أساسي لنجاح عملياتها. لكنها أصرت على التنفيذ لأن التأجيل كان سيعني إلغاء العملية ، باعتبار أن انسحاب جنود الاحتلال بات وشيكاً. استعدت المقاومة لكل الاحتمالات، ونصبت هي الفخ للعدو. [[[ استعدت مجموعات المقاومة في نقاط مرابطتها. كان العدو قد احتاط، فأمر جميع قوات جيش لحد بالانسحاب من المواقع. انتظرت المقاومة نقطة الصفر لبدء الهجوم. لكن جنود لحد لم يعودوا إلى مواقعهم. كانت الشمس قد شارفت على الشروق. بالنسبة إلى المقاومة فإن شروق الشمس يعني تهديد سلامة رجالها، إذ يخرج الناس والفلاحون إلى حقولهم. كما أن البدء بالعملية، بينما جنود العدو خارج المواقع، يعني كشف مصادر نيران المقاومة أمام أنظار العدو المختبئ. أشرقت الشمس، والمقاومون ما زالوا في مواقعهم. نجحت المرحلة الأولى من الخطة: ظن الإسرائيلي أن العملية تأجلت. فهو اعتاد أن تعمل المقاومة في الليل فقط. نجحت الخطة، وأمر العدو بعودة الجنود إلى المواقع. دقائق فقط، وسمع الإسرائيليون واللحديون في المواقع الأمامية هدير دبابة يشق هدوء الصبح. كان أمراً غير متوقع نهائياً. بدأت المرحلة الثانية من الخطة: أخرجت المقاومة دبابة «ت 55» من مخبئها. هي آلية لم تستخدم في عمل المقاومة، لا قبل العملية ولا بعدها. توجهت الدبابة إلى مربضها في مواجهة موقع طير حرفا، في القطاع الشرقي وخرجت برفقتها المدفعيات التي بدأت تقصف الموقع، بعيداً عن القطاع الغربي، المسرح الحقيقي للعملية. نجحت خطة صرف أنظار العدو: ظن الإسرائيلي أن العملية الفعلية تستهدف موقع طير حرفا، فركّز قوته نحو القطاع الشرقي. وصدق ظن المقاومة: انطلقت قذائف المدفعيات والدبابات الإسرائيلية التي كانت جاهزة للتدخل. وبدأ طيران العدو ومروحياته، مباشرة، يغير على مرابض دبابة المقاومة ومدفعياتها، بينما يحتاج سلاح الجو، عادة، إلى ما بين 15 و20 دقيقة ليستعد للهجوم. في تلك الأثناء، بدأ تنفيذ عملية «موقع البياضة»: ستار هائل من النيران أصاب كافة مواقع سلسلة القطاع الغربي دفعة واحدة، بالأسلحة المباشرة والموجهة. هجوم صاروخي على مرابض المدفعية الإسرائيلية منعها من التدخل. وتحت ذلك الستار، اقتحمت مجموعة المقاومة الموقع في غضون ثلاث دقائق فقط، وتمكن رجال المجموعة من الانسحاب من الموقع وتدمير دشمه وتحصيناته، من دون أي تدخل عسكري إسرائيلي على الإطلاق.. وحده تدخل زورق حربي من طراز «ساعر 4،30»، وهو زورق عسكري من الجيل السابق مباشرة لجيل تلك البارجة التي دمرتها المقاومة في حرب تموز 2006. لم تكن المقاومة لتباشر هجومها من دون الاستعداد لمختلف الاحتمالات. فما إن اقترب الزورق حتى بادرت إلى رميه بصليات من راجماتها، كانت كفيلة بإرباكه ودفعه إلى التراجع بعيدا. نجحت العملية، لكن السيارة المفخخة التي كانت جاهزة لاقتحام الموقع ظلت متوقفة في مكانها. [[[ في اللحظات الأخيرة التي سبقت تنفيذ العملية، سأل الشهيد الحاج رضوان ضابط العملية: كم يبعد الموقع عن منازل البياضة؟ تأتي الإجابة: ستمئة متر تقريباً. فأمر بإيقاف السيارة فوراً والعدول عن تدمير المركز، كي لا تصل شظايا الانفجار إلى المنازل فتضر بها وبساكنيها. تلك المنازل القريبة من الموقع كانت لعناصر من جيش لحد. [[[ سقط للمقاومة في عملية البياضة شهيدان. أحدهما في مربض المدفعية، أصابته قذيفة دبابة حاولت التقدم فدُمــرت. الآخر كان مسعفا أصابه رصاص أطلقه جنود موقع الحمراء عشوائيا. أما في عملية «طير حرفا» فنجا المقاومون جميعا، بمن فيهم من كان في دبابة المقاومة التي لم تدمّر إلاّ في الغارة التاسعة. في المقابل، سقط للعدو عدد كبير من القتلى والجرحى، بعضهم كان في دبابات دمرت بينما كانت تحاول التحرك لدعم الموقع. في اليوم التالي للعملية، وصلت رسائل للمقاومة، يعرض فيها جنود جيش لحد تسليم أنفسهم، من مواقع طير حرفا، الحردون، الحمراء، البياضة، وغيرها.. حتى خلت المواقع كلها من اللحدين، وصولاً إلى يوم التحرير. وفي الطريق إلى الأرض التي كانت محتلة، وجد المقاومون أرتالاً من الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية متوقفة في مكانها، ومدافعها تتجه نحو فلسطين المحتلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق