السبت، 22 أغسطس 2009

محمد سرور وخضر زيدان... متى انتهت الحرب؟ ماذا حصل؟

محمد سرور وزوجته زينب على شرفة بيتهما
الجندي يشتم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ومحمد سرور يشتم رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها إيهود اولمرت.
الجندي يركل محمد المطروح أرضاً بيدين موثوقتين وعينين معصوبتين، ومحمد الذي أسر في الرابع من آب في قرية عيتا الشــعب، مع حســــين سليمان، يتعرّض لتحقيق ميداني قوامه الضـــرب الشديد. وهو الذي لا يعرف مصير لحظته التالية، يُضرب أصلاً، فلماذا يسكت عن شتم قائده؟ أسر الشابان في اليوم الرابع والعشرين على الحرب في مكان قريب من خلة وردة. هذه نقطة حدودية ما زالت المقاومة تواجه فيها. وهو، حين يوضع وجهه في تراب قريته، وتضغط فوهة البندقية على صدغه، يرفقها تهديد أخير بالقتل ما لم يكشف محمد عن الكمائن في القرية، لن يقول.. في صالون بيته الجديد الذي يمضي فيه شهر العسل، يقول بلهجة جنوبية خالصة يتذكر أن واحداً من الكمائن فيه مجموعة ترمي على الدبابات. الكشف عن هذه المجموعة أصعب بكثير من استشهاده. هكذا، قال للجندي، صادقاً: اقتلني. لم يقتله. أمضى ليلين مع هؤلاء الجنود. استخدموه درعاً بشرياً. يوقفه الجندي أمامه ويلقي البندقية على كتفه ليطلق النار. ولما ارتفع صوت الجنود بالصراخ حين انفجرت قذيفة قريباً منهم، لم يطق ابن العشرين عاماً حينها صبراً: «عامل بطل عليي وبتخاف من صوت قذيفة؟». استفزاز كلف محمد أنفاً محطماً. بعد نحو ثلاثين ساعة نقل إلى فلسطين. كان كتفه مخلوعاً من مكانه، ومصاباً بالرضوض في كل جسمه، وفي باله، وهج انفجار الدبابة بقربه. في باله أيضاً، أن عيتا الشعب، قريته، لن تُحتل. هكذا تقول قناعاته الشخصية، وليس عقيدته فحسب. فإذا سقطت عيتا، سقطت كل قناعاتي. [[[ على الهاتف، يحكي رئيس جمعية الأسرى المحررين الشيخ عطا الله حمود مع خضر زيدان. هو رابع أسرى حزب الله المحررين في السادس عشر من تموز العام الفائت، معه كان محمد سرور وحسين سليمان وماهر كوراني، إضافة إلى سمير القنطار بالطبع. حمود يعاتب خضر ضاحكاً. يسأله عن طريقة لإجباره على الالتزام بالموعد الذي تأجل معه إلى يوم ثان لأنه تأخر عن الموعد الأول مع رفيقه محمد. بعد دقائق يجتاح خضر مكتب الشيخ في الجمعية ضاحكاً ومعتذراً عن تأخره لأسباب انشغاله الكثيرة. شاب ممتلئ مرحاً، على الاذن ان تظل متنبّهة لتلحق بكلماته السريعة. هذا الشاب لم يعترف قط أنه من حزب الله. لم ينتزع منه المحققون طوال 53 يوماً اعترافاً، مع أنهم كسروا قدمه، ووضعوها في الجبس خلال التحقيق. [[[ أُخذ محمد إلى التحقيق، فانقطعت أخبار العالم عنه. حياته الآن، «تقليدية»: تحقيق وضرب متواصلان وزنزانة بجدران سوداء. المحققون يلحون على أسئلة، ويمرون على أخرى مرور الكرام. لن أسالك عن عماد مغنية، اكيد أنت لا تعرفه. أكد له محمد أنه لا يعرف مغنية. غير أنه يعرفه. هو الحاج رضوان، وقد التقى محمد سابقاً بمبعوث من عند الحاج. بعد تحريره سيعرف أن المبعوث من عند الحاج، كان الحاج نفسه. الإسرائيليون كانوا يريدون معرفة قواعد الصواريخ ومخازن الاسلحة، ومحمد ضللهم. هو متدرب على التعامل مع المحققين. السبب؟ اشقاؤه وشقيقته كانوا أسرى في معتقل الخيام، وهم حكوا قصصهم للصغير الذي كانه، يكبر. هذه عائلة نذر عليها الاسر إذاً. ان يؤسر محمد، فهذه مفارقة قدرية. الا يكون مقاتلاً في المقاومة، فهذه ليست صدفة بالطبع. [[[ في الغندورية كان خضر مختبئاً اسفل درج بيت احتله الاسرائيليون في انزالهم الشهير. هناك ظل ثلاثة ايام، بلا طعام ولا مياه. كان مع وحدة مضاد للمدرعات، ولم يكن معه بندقية. كان يميز في ايامه أصوات المعارك. رصاص المقاومة المتقطع، ورصاص الاسرائيليين الرشقي. يقول إن الاسرائيليين لم يجرؤوا على تفتيش البيت الذي احتلوه. وقد عرفوا بوجوده عبر المسح الحراري. في التحقيق، سماه مستجوبه «فريد شوقي». أنت ممثل كان يقول له، ستعود الآن إلى زنزانتك يا فريد شوقي وتفكر بكذبة جديدة ثم تعود إلي، كان يقول له بعد أن يتعب من استجواب الشاب المنضوي في حزب الله قبل سنة من اعتقاله، لذا هو ما زال في بداية رحلة الاسرار الطويلة. لا يعرف كثيراً. «عملت دهاوين.. ضحكت على الاسرائيلييي كلهن»، يقول ويضحك. [[[ الضحك كان سمة محمد. يقول له واحد إن عيتا احتلت فيضحك، لأنه لا يصدق. يأتي الثاني ويقول إن اسرائيل صارت في خلدة. الثالث يخبره إنهم قتلوا السيد نصر الله. التضارب في أخبارهم كان يضحكه. هم يكـــــذبون. لم ينتزعوا منه عن الاسيرين الاسرائيليين إلا معلومة واحدة: هما على قيد الحياة». محمد كان يعرف أنهما ميـــتان، لذا، اكتفى بالبديهي: قلب المعلومة إلى عكسها. إلى السجن، بعد خمسة واربعين يوماً. هناك التقى رفيقيه سليمان وكوراني. الثلاثة ظلوا في العزل الدائم. كانوا عطاشى إلى معلومة واحدة عن الحرب. في أول رحلة على المحكمة التي رفضوا الامتثال لها، سأل محمد أحد الاسرى الفلسطينيين عما حدث، وقد مر أكثر من ثلاثة اشهر على نهاية الحرب. بسرعة راح يخبره الاسير نتف معلومات، وقبل ان ينتبه الحراس. انتشار يونيفل ولا اسلحة في جنوب الليطاني، وتراءى لمحمد أن الأسير قال له إن الإسرائيليين لم ينسحبوا من الجنوب. هذه كانت أقسى مخاوف الشاب. سجانو الاسرى الثلاثة لم يشفوا غليلهم الى ما يحتاجونه من معلومات. اضرب الثلاثة عن الطعام حتى نفذ مــطلبهم: تلفزيون وراديـــو. بعد سنة على انتهاء الحرب، بات الخبر بالنســبة إليهم رسمياً: «انتصرت المقاومة في الحرب». [[[ تتمة الحكاية في الاسر تقليدية. ايام تمرّ. يؤدون فرائضهم الدينية ويشاهدون التلفزيون وينتظرون عملية التبادل التي كان محمد يثق بأنها ستقع. محمد رسم في زنزانته رسمتين: الاولى للسيد نصر الله والثانية لرجل يحمل خريطة لبنان على ذراعيه بينما تتعرض لقصف عنيف. ضابط المخابرات أصر على أخذهما. ناقشه محمد، فقال له ارسم غيرهما. هاتان سأعلقهما في مكتبي. يقول محمد إنهم أخذوه إلى الضابط قبل خروجه. كانت الصورتان معلقتين بالفعل خلفه. سأله عن سبب رفع صورة السيد خلفه، فأجابه الضابط إنه لن يتردد في قتل نصر الله إذا سنحت له الفرصة، لكنه يحترمه كقائد عظيم، وهو مستعد للدوس على نجوم رتبته الثلاث، وغير مستعد، لأن يتحدث عن نصر الله باستخفاف. نظرة الإسرائيليين إلى نصر الله، لمسها محمد في اكثر من مرة. كان يناكف حارساً بأنه سيتحرر. وهذا يجيبه بأنه سيتعفن في السجن. كثر الحديث عن اقتراب موعد التبادل، وحين قال نصر الله، قريباً وقريباً جداً سيكون سمير القنطار بينكم، سخر محمد من الحارس، وصمت ذاك. بعدها تردد أن صعوبات تعيق عملية التبادل التي قد تلغى. جاء دور الحارس ليناكف محمد. لكن حارساً آخر أسكته: حين يقول اولمرت إن العملية لن تقع، بينما يقول نصر الله إنها ستقع، صَدّق نصر الله. هذا الرجل لا يحكي كلاماً في الهواء». [[[ الباقي نعرفه. في السادس عشر من تموز أطل الخمسة ببزاتهم العسكرية في الناقورة ثم اقلتهم طائرة عسكرية إلى المطار. ومن هناك إلى ملـعب الراية في الصــفير، حيث التقوا قائدهم وجهاً لوجه. لم يبك محمد بعد. سيبكي لاحقاً، أمام ضريح قائده الشهيد عماد مغنية، الذي التقاه مرة واحدة لن ينساها أبداً. هو الآن عريس نتركه لعروسه بعد ان نلتقط لهما صورة مشتركة. أما خضر زيدان الذي يبدو دائماً على عجلة من أمره، فيخبر الشيخ عطا الله أن «نور الزهراء» على الطريق. هي ابنته التي ما زالت جنيناً يكبر.

ليست هناك تعليقات: