السبت، 14 يناير 2012

ا«أســرى فــي لبنــان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» 9 أولمرت يبشر جيشه بمصادقته على احتلال مدينة بنت جبيل


جنود إسرائيليون يستريحون خلال الحرب


موفاز يرد: العملية تحتاج إلى فرق.. وأقترح مدينة صور بديلاً

مع اقتراب نهاية الأسبوع الثاني لحرب تموز، طغى على الجمهور الإسرائيلي شعور بخيبة الأمل، لأن العملية العسكرية تشرف على نهايتها من دون إحراز أي إنجاز. في هذه الأجواء، تضاءلت كثيرا الفرصة أمام المسؤولين في الجيش الإسرائيلي لأن يتطرقوا الى أحداث مارون الراس، كما لو كانت مجرد خلل محلي لا يتطلب تغيير أسلوب العمل المختار الذي كان قد تقرر انتهاجه قبل أيام معدودة، أي القيام بغارات محدودة داخل الأراضي اللبنانية، وبصورة رئيسة في المنطقة المحاذية للحدود الشمالية.

في الحلقة التاسعة من كتاب «أسرى في لبنان: الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» للمؤلفين الاسرائيليين عوفر شيلح ويوءاف ليمور، سرد لوقائع الاحداث التي سبقت الهجوم على بلدة بنت جبيل. ويذكر الكاتبان انه اثناء المناقشات اليومية التي كانت تجري عند رئيس الاركان دان حالوتس لتقييم الاوضاع على ارض المعركة، قال احد المشاركين، انه بعد مرور يوم على احداث مارون الراس فإنه يجب القيام بعمل شيء آخر.

نهار الأحد في 23 تموز، قال نائب رئيس الأركان الاسرائيلي موشيه كابلينسكي في جلسة الحكومة إن الجيش الاسرائيلي ينفذ «عملية تطهير خط الموقع على مسافة تتراوح بين 600 و1000 متر عن الحدود». وهذه عبارة عن خطوات قصيرة ومركزة تتمثل في ضرب البنى التحتية ثم المغادرة. ووجه وزير الداخلية روني بار اون سؤالا عما إذا كانت القوات ستدخل الى القرى. فأجاب كابلنسكي: «لن ندخل أي قرية كما اننا لا ننوي ذلك. وقد قمنا اولا وقبل أي شيء بتجنيد 18 الف جندي وسيحل هؤلاء الجنود مكان الجنود النظاميين وذلك بغية تشكيل اربعة طواقم يعادل كل منها حجم لواء. وفي هذه اللحظة يوجد في لبنان اقل من لواء عسكري».

طلب وزير الدفاع عمير بيرتس التشدد على ألا يتحدث احد عن دخول بري واسع الى لبنان وقال «ان الجدل في شأن الدخول البري سابق لأوانه. ونحن لم نطلب الموافقة على الدخول البري لا لاحتلال أراض في لبنان، ولا لأي عملية عسكرية تتجاوز دعم عمليات القصف الجوي التي ينفذها سلاح الجو».

في ذلك الوقت، كانت قيادة المنطقة الشمالية مشغولة بالتحضير لعملية عسكرية واسعة في بنت جبيل الواقعة على بعد نحو أربعة كيلومترات الى الشمال من مستعمرة افيفيم المقابلة لبلدة مارون الراس. ومع أن هذه العملية العسكرية لم توصف بأنها «احتلال ارض» أو «دخول بري» إلا أن نتائجها كانت ستغير نهائياً مفهوم الجمهور الإسرائيلي في ما يتعلق بسير الحرب.

هنا يبرز السؤال عن أول شخص اقترح الذهاب الى بنت جبيل، وهي بلدة لم يطلق منها سوى بضعة صواريخ؟

قائد المنطقة الشمالية أودي أدام كان هو الشخص الذي طرح هذا الأمر أول مرة وذلك في 18 تموز. اما صاحب الفكرة، فكان قائد الذراع البرية بني غانتس الذي اعتقد أن من شأن العملية العسكرية في بنت جبيل تحقيق الرغبة في الحصول على إنجاز جوهري في مكان واحد. وفي الوقت نفسه «القيام بعملية في قرية صغيرة تطلق منها الصواريخ»، مقترحاً إرسال كتيبة إلى قريتي ياطر وزبقين او الى قرية برعشيت.

نهار الجمعة في 21 تموز، توجه كبار ضباط هيئة الأركان الى الشمال. وفي منتصف الليل، عقد رئيس الهيئة دان حالوتس اجتماعاً لقادة الفرق العسكرية في مقر قيادة المنطقة الشمالية أقترح فيه ادام خطة ينفذ بموجبها لواء المظليين غارة محدودة في بنت جبيل، بينما ينفذ لواء «غولاني» غارة على بلدة الطيبة. اما رئيس شعبة العمليات غادي ايزنكوت فأعرب عن معارضته توزيع الجهود وتوجه نحو خريطة في الغرفة فرسم خطاً عليها شمالي بنت جبيل وقال للحضور «إذا كنا نريد بنت جبيل فعلينا القيام بعملية عسكرية حقيقية على مستوى فرقة عسكرية تشمل قصفاً مدفعياً تمهيدياً وهجوماً ينفذه لواءان عسكريان. وافق كابلينسكي على هذا الاقتراح وطلب من أدام أن يشارك لواء «غولاني» في تنفيذ هذه العملية أيضاً.

في تلك الساعات، كان لواء «غولاني» في طريقه نحو الشمال، بعدما تلقى قبل يوم من ذلك أمراً بالخروج من قطاع غزة. وفي ذلك الوقت، لم يكن هذا اللواء موجوداً بإمرة قائد فرقة الجليل (91) غال هيرش، الذي كان يفترض بفرقته ان تنفذ الهجوم على بنت جبيل. وعندما وصلت قيادة اللواء الى الشمال وُضع قائد لواء «غولاني» تمير يادعي بإمرة الفرقة العسكرية 162 بقيادة البريغادير غاي تسور الذي اصدر اليه الامر بالاستعداد للعملية العسكرية في منطقة الطيبة في قضاء مرجعيون.

الخطة التي اقترحها كل من كابلينسكي وايزنكوت في محاولة لتجنب الوصول من الاتجاه المتوقع (التحرك داخل حدود إسرائيل والهجوم من الجنوب) اشتملت على أن يقوم لواء عسكري بفصل مدينة بنت جبيل يتبعها عملية التفاف من ناحية الشمال كما تضمنت السيطرة على المنطقة والتعامل في وقت لاحق مع كل من يوجد داخل هذه البلدة.

اجمل حالوتس النقاش بقوله لأودي ادام «لديك لواءان عسكريان داخل المنطقة هما «غولاني» و«المظليين»، وسيكون اللواء السابع بمثابة عامل مساعد من جهة الجنوب بحيث يقدم الدعم الناري بواسطة الدبابات من منطقة الحدود. وذلك تحسباً لإدخال الدبابات الى داخل الأراضي اللبنانية.

كانت الخطوط الهيكلية للخطة التي تمت المصادقة عليها هي تلك التي رسمها كابلينسكي وايزنكوت. بعد ذلك، ذكّر حالوتس بأن الهدف الذي كان ركّز عليه طوال فترة القتال هو ضرب اكبر عدد من عناصر «حزب الله» وإحضار عدد من الأسرى.

خلال الحرب كلها درج ايزنكوت، الذي كان بصفته رئيسا لشعبة العمليات في هيئة الاركان ومسؤولا عن العمل الجاري للجيش، على النهوض في السادسة صباحاً ومتابعة تطورات الأحداث في قيادة المنطقة الشمالية من خلال جهاز الفيديو. وقد فعل ذلك نهار السبت في 22 تموز وأصيب بالذهول عندما تبين له ان لواء «غولاني» ما يزال منشغلا بالتخطيط للعملية العسكرية التي ستنفذ في بلدة الطيبة. وانه لم يوضع بإمرة هيرش لأغراض الهجوم على بنت جبيل وفق تعليمات حالوتس.

دخل ايزنكوت مكتب كابلينسكي وقام الإثنان بالاتصال بقائد «غولاني» يادعي واستمعا منه الى تأكيد هذه الأمور. اعرب كابلينسكي في ختام الجلسة عن حنقه بسبب عدم قيام قيادة المنطقة الشمالية بتنفيذ التعليمات التي كانت صدرت عن حالوتس مساء اليوم السابق. في أعقاب ذلك تلقى يادعي الامر بانضمام «غولاني» الى الفرقة (91) بقيادة هيرش لتنفيذ العملية في بنت جبيل.

الخطة النهائية للعملية العسكرية التي وضعها هيرش، بضغط من القيادة لم تشتمل على عملية تطويق من الشمال. وإنما على التفاف حول المدينة من الشرق (لواء «غولاني») ومن الغرب (لواء «المظليين»)، في الوقت الذي يقوم فيه اللواء السابع بالتغطية من الجنوب من دون قطع طريق الانسحاب لمقاتلي «حزب الله». بقيت مبادئ الخطة مماثلة للسيطرة على المنطقة لا احتلال المدينة. ضرب مقاتلي الحزب لا الانتقال من بيت الى بيت والتورط في معركة داخل تخوم البلدة المزدحمة بالسكان.

قال هيرش انه يجب إطلاق نيران كثيفة، بحيث ان كل من يحاول الخروج من داخل البيوت في بنت جبيل سينكشف أمام القوات الموجودة هناك وبالتالي سيصاب. بعد ذلك، عرض هيرش الخطة امام يادعي كالتالي: هجوم على بنت جبيل يبدأ يوم الاثنين في 24 تموز ويستغرق 48 ساعة وبعد ذلك وبينما كان يادعي يعمل جاهداً على تجميع اللواء الذي كان يشق طريقه ببطء نحو الشمال وصل إشعار فحواه إن الوقت المحدد قد تغير: ستبدأ العملية يوم الأحد 23 تموز ومدتها لم تتغير: يومان كاملان.

في مجموعة الأوامر الأخيرة التي أعدها ضباط برئاسة الجنرال ادام، اكد الاخير ان الهدف ليس احتلال بنت جبيل انما المكوث في مناطق مشرفة ومسيطرة، ومنع إطلاق الكاتيوشا، وقتل عناصر «حزب الله» الموجودين هناك. وختم بالقول «لست بحاجة الى ان اخسر هناك قائد لواء بحيث اجد نفسي مجروراً الى حرب». وقد فهم كل من يادعي وقائد لواء المظليين حغاي مردخاي وقائد اللواء السابع امنون إيشل اقوال الجنرال ادام على انها تأكيد لما كانوا سمعوه منذ بداية القتال: ان هذه ليست حربا وإنما مجرد عملية عسكرية، غارة يعود بعدها الجنود الى داخل الأراضي الإسرائيلية.

كان تبقى للواء اقل من سبع ساعات ليصدر الاوامر الى القادة العسكريين الثانويين، وكي يستعد للمعركة ويصل الى نقطة الانطلاق بالقرب من السياج الحدودي.

في الوقت الذي كانت فيه القوات تقف في حالة تأهب، التقى وزير المواصلات شاؤول موفاز داخل الكنيست رئيس الحكومة ايهود اولمرت، وكان لدى هذا الأخير بشرى إذ قال له: «لقد أعطيت موافقتي على احتلال بنت جبيل».

اصيب موفاز بالذهول عند سماعه ذلك، حيث كان هو وبقية الوزراء سمعوا طوال الوقت من العسكريين ومن وزير الدفاع عمير بيرتس أن الأمر لا يتعلق بتوغل بّري. لذا كان لديه إحساس بأن اولمرت ببساطة لا يفهم الإجراء الذي قام به. بعد ذلك طلب موفاز من العاملين في ديوان اولمرت ان يحضروا له خريطة وضعها على الطاولة وتوجه الى اولمرت، كمن يعلّم جندياً مبتدئاً الدرس الأول في موضوع الطوبوغرافيا قائلا له: هل ترى هذه الخريطة؟ كل خمسة سنتيمترات هنا تعادل كيلو مترا واحدا. هنا سأل اولمرت: ما هذا؟ وكان يشير الى مركز سكاني على الخريطة هل هذه هضبة الجولان؟ فأجابه موفاز قائلا «لا إنها كريات شمونة».

وتابع موفاز «انظر الى مدينة بنت جبيل كم هي كبيرة أنا كنت قائد لواء هناك اعرف المكان جيداً. وأنت لا يمكنك أن ترسل الى هناك كتيبة هنا وكتيبة هناك، فهذه عملية تحتاج الى فرق من الجيش. اعتقد أن هذا الامر لا يجوز عمله. كما أقترح بدلاً من ذلك القيام بعملية عسكرية في مدينة صور».

هنا سأل اولمرت مجدداً وقد تملكته المفاجأة «لماذا صور بالذات»؟ فأجابه موفاز «لأنهم يقومون بإطلاق صواريخهم من هذه المدينة»؟. بعدها توجه اولمرت الى سكرتيره العسكري غادي شامني بالقول «هذا صحيح»؟ نظر شامني الى رئيسه بشيء من الارتباك ثم اجابه «لقد قلنا لك إن الصاروخ الذي قتل ثمانية أشخاص في محطة للقطارات في حيفا كان أطلق من منطقة صور». ثم سأل اولمرت موفاز عما اذا كان يقصد القيام بتجنيد قوات الاحتياط، فرد موفاز قائلا «لديك في الوقت الراهن قوات موجودة في رأس البياضة (شمال رأس الناقورة)» وهنا سأله اولمرت: أين؟

نهار الاحد وفي الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة عشرة مساء بدأت قوات لواء «غولاني» بالتحرك الى داخل لبنان. لم يكن هذا اللواء منتظماً بالكامل، إلا انه كان يتباهى دائماً بأنه يبدأ في الوقت المحدد سواء اكمل انتظامه ام لا. اما المظليون في المقابل فلم يدخلوا، إذ قال مردخاي لهيرش إنه بحاجة ليوم آخر لإكمال الاستعدادات. ونظرا الى ان الأمر يتعلق بتحرك من اجل الوصول الى مناطق مشرفة ومسيطرة سُمح للمظليين بالتأخر. كذلك لم يكن اللواء السابع مستعداً تماماً، ويبدو ان الجيش الاسرائيلي الذي كان يعمل داخل المناطق (المحتلة) فقد القدرة على إدارة أي عمل قيادي وإدارة جداول زمنية معقدة تتعلق بتحرك الالوية. كما ان أي قائد فرقة عسكرية لم يتذكر كيف تبدو فرقته في الميدان. ولم يدرك حجم القوة التي يدور الحديث عنها. ونظراً الى أن القوات كانت مبعثرة في كل مكان (كانت كتيبة المظليين منتشرة في بداية القتال من البحر الى جبل الشيخ) ولم تُنظّم.. كل هذا ادى الى عدم وجود رابط بين الأوامر.. والواقع الميداني.

(الحلقة المقبلة: بنت جبيل ستالينغراد جنوب لبنان)

هناك تعليقان (2):

اخبار يقول...

موضوعك قوى جدا

Dolarandgold يقول...

مشكوووووووووووووووووووووووور