الخميس، 15 سبتمبر 2011

صفحات مجهولة من حرب تموز كما يكشفها نبيه بري ويرويها علي حسن خليل

صفحات مجهولة من حرب تموز كما يكشفها نبيه بري ويرويها علي حسن خليل

السنيورة للخليلين: «السيد» خدعنا.. ويجب تسليم الأسيرين الإسرائيليين للدولة وإلا فالبلد سيخرب بيدرسن لرئيس المجلس: على «حزب الله» تسليم سلاحه فوراً.. وإذا لم تطلقوا الأسيرين فسيطلق العنان لإسرائيل

لا يضيع حق وراءه محاضر, وللأيام الصعبة دفاترها التي دونت ربيع المواقف السياسية وخريفها تحت سقف فصلٍ واحد وبحبرٍ لم يكن سرياً بل جمّد سيلان أزرقه حتى لا ينزف الأحمر.

لكن عندما يرتطم التاريخ بحواجز الحبر السري المزوّر يصبح لزاماً على المحاضر أن تنفذ عملية تسلل من الابواب الشرعية وأن تعلن فك أسرها وأن يُسمع صريرها العابر للوثائق التي تجرها عرباتٌ من الزيف الموشح بأضغاث الاحلام.

هي سنواتٌ صنعها رجالٌ.. كان وردها مطوقا بالذبول وصحوتها محاصرة بكبوة.. وصمودها يواجه ترسانة العالم ومدن القرار. فكيف يضربنا الجنون على حين وثيقة.. وكيف نسرق التاريخ وهو ما زال ينفذ فعلاً حاضراً برجاله وشواهده وأوراقه التي لم يمسها الأصفر بعد.

فالزمن لم يتوارَ خلف الكتب.. ما زال ناضراً ويسرد حكاية تموز بشوق النعاس الى النوم.. وهو يبدي استعداداً لاسترجاع الحكاية من أولها أو منتصفها حتى لا نصاب بداء الملل.. أي مذ أن قررت أسرائيل إقفال آخر بوابة في الجنوب عازمة على الرحيل.

لكل عبق التاريخ دونّا الماضي القريب, كان القلم يسابق الألم الذي نسمعه في حواضر بيتنا, بعضه موجعٌ أبى الحبر تكراره.. وبعضه الآخر كان يجري رسماً تشبيهياً لصورة اليوم باصطفافاتها ومواقفها وحدودها العربية والدولية والمحلية.

في ليلٍ من نيسان، وقبل التحرير بشهر واحد عام 2000 تحسس الرئيس نبيه بري طالع الأيام المقبلة, ويداً بكتف مع السيد حسن نصر الله قال كلاماً يتجاوز الزهو بهزيمة إسرائيل لأن عالماً عربياً إسلامياً سيضيق على نصرٍ يصنعه رجالٌ من جبل عامل.

وكمن يقرأ في فنجان المستقبل السياسي ويرصد الحصار الآتي لبنانياً وعربياً شعر بري بأن العرب وبعض اللبنانيين سيتبعون سياسة تقليم الأظافر ولن تتسع صدورهم لقرقعة النصر القادم من الجنوب.

لم يضرب الرجل بالرمل ولا هو خبير في المندل السياسي أو مستحضر لملوك الجان بل كان «يهجي» الأحرف الأولى للمواقف التي ستصبح بعد حين مقروءة بالخط العريض.

بعد ست سنوات، وإثر المداخلات التي أجراها كل من رئيس الوزراء آنذاك فؤاد السنيورة ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع في جلستي الحوار بتاريخ 14 آذار و8 حزيران 2006 جاء من يذكر الرئيس نبيه بري من قياديي حركة أمل وحزب الله بواقعة تلك الليلة بالقول «كان معك كل الحق» في أن تقلق من هزيمتنا لإسرائيل في أيار من العام 2000، قبل أن يختلط القلق بالشك لدى مجموعة الحلقة الضيقة في الحزب والحركة ممن تابعوا مجريات التفاوض واقتراحات الرئيس السنيورة وفريقه خلال ثلاثة وثلاثين يوماً من العدوان الاسرائيلي في تموز وآب 2006.

لقاء الثامن والعشرين من نيسان عام 2000 بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله، كان تحضيراً لمرحلة الخروج الاسرائيلي من الشريط الحدودي المحتل وما بعدها. وككل لقاء بينهما، فقد تولى ترتيبات التواصل المعاونان السياسيان لكل منهما. الثامنة والنصف يصعد رئيس الحرس الخاص بالرئيس بري الى الطبقة الثالثة حيث كنت مع الرئيس بري نتناقش أموراً حزبية بعدما كانت هيئة الرئاسة في حركة أمل قد اتخذت قراراً أسندت بموجبه مسؤولية إقليم منطقة الشريط الحدودي إلي.

يتأكد من إسدال الستائر في الصالون الكائن في تلك الطبقة في مواجهة للبحر. إنه إجراء احترازي يسبق اللقاء.

من الموقف المخصص للسيارات في قصر الرئاسة الثانية، اصطحبت ورئيس الحرس الخاص، السيد نصرالله الذي نزل من سيارته وكان برفقته الحاج حسين الخليل والسيد ابراهيم أمين السيد. بعد سلام وعناق مع الرئيس بري عند مدخل الصالون، ممازحة من السيد ابراهيم أمين السيد قبل خوض نقاش طويل.

بدأ اللقاء بتقييم مرحلة ما بعد اللقاء السابق والأحداث التي جرت بين اللقاءين، ثم انتقل الحديث الى اقتراب لحظة انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي الجنوبية المحتلة، وانتصار خيار المقاومة الذي جاء محصلة تراكم تضحيات على مدى سنوات الاحتلال حتى أخر يوم من زواله. بلهجة الواثق تحدث الرئيس بري قائلاً «أن تحليله وكذلك بعض المعطيات تؤكد أن إسرائيل لم تعد تحتمل خسائرها في الجنوب، وأن خروجها سيكون قبل نهاية شهر أيار»، وبدا حاسماً ومقتنعاً، وقد وافقه التوقع السيد نصرالله مؤكداً تلك المعطيات وقال نصرالله «إن إسرائيل ستخرج حتماً ولكن علينا أن نقدر أن يطول الوقت قليلاً إذ أنها قد تحتاج الى ترتيبات في ما يتعلق بعملائها»، غير ان الرئيس بري رأى أن اسرائيل لن تهتم بترتيبات «لعملاء لا قيمة لهم عندها»، مشدداً على ضرورة الاستعداد والجهوزية قبل نهاية أيار.

وجوب حماية المدنيين وخصوصاً المسيحيين بعد التحرير، أخذ حيزاً من النقاش نظرا لحرص الرجلين على ألاّ يتعرض أي من هؤلاء المواطنين وغيرهم لأي أذى، قبل أن يقف بري داعياً نصرالله الى العشاء.

العشاءات المتكررة بين بري ونصرالله كسرت عادة كان التزم بها الأمين العام لحزب الله منذ سنوات طويلة، وهي رفضه لأكلة «الفراكة» الجنوبية، وكان يقول إن والدته كانت تتمنى عليه أكلها وكان يعتذر في كل مرة، لكن أمام الحاح الرئيس (بري) وإغرائه بنوعية تحضيرها فهو يسلم بأكلها على طريقة أهل القرى الحدودية بحيث يغلب البرغل على اللحم، وتشكل إضافة المردكوش كما يردد، «ضامناً من أي تأثير سلبي للحم النيء». (لقد أصبحت الفراكة بالمردكوش الضامن حاضراً أساسياً على سفرة طعام الرجلين سواء في عين التينة أو حارة حريك).

وهما ينتقلان ومن كان مشاركاً في اللقاء، من الصالون الى غرفة الطعام، يضع الرئيس بري يده على كتف السيد نصرالله ويقول: «يا سيد إسرائيل ُهزمت لكن علينا ألاّ نفرح كثيراً أننا سددنا هزيمة لها ونغرق في نشوة الانتصار، هذا أمر أكبر من أن يتحمله العرب، والمسلمون، وربما بعض اللبنانيين، أنا لست قلقاً، لكني أشعر أن المسؤولية ستصبح أكبر بكثير». تعليق السيد جاء بابتسامة هادئة ومعبرة جداً حملت أكثر من تأكيد ومعنى.

بين تاريخ هذا اللقاء، وبين 12 تموز 2006 يتوقف الرئيس بري ومن واكب معه يوميات العدوان الإسرائيلي على لبنان حتى الرابع عشر من آب، عند دقة ما جرى في مرحلة ما بعد زلزال استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والحوار الوطني الذي انعقد، والمداخلات والنقاشات التي دارت على مدى جلساته في مجلس النواب.

نبوءة جعجع بالحرب القادمة

في جلسة الحوار يوم 14 أذار 2006 الصباحية وكان النقاش حول مزارع شبعا وتثبيت لبنانيتها، وبلغة الواثق تحدث رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، بعدما هز بداية برأسه رافعاً بين يديه بعض الأوراق، ليقول: «يا اخوان، (ثم يعيد هز رأسه ويدفعه الى الأمام هذه المرة) إنها صيغة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، أقترح أن نقارب الموضوع من زاوية مختلفة، وأن ندخل الى بنود أخرى»، وبدأ بتلاوة بعض مقاطع من اتفاقية الهدنة مع إسرائيل متحفظاً على بعض المضمون. وأضاف «إن وقف الخروقات لا يتم إلاّ باتصالات دولية. لا اعتقد أننا نقوم بتوازن عسكري مع إسرائيل، الحل باتفاقية هدنة جديدة، مدعمة بتواجد دولي كثيف، أن نفرض 15 ألف جندي دولي لمدة 25 أو 50 سنة ليبقى لبنان محصناً، وإلاّ سنبقى في حالة حرب مفتوحة مع إسرائيل والغرب، والوضع يغلي، ومع وجود قوات دولية نبعد الدب عن كرمنا لأن الحرب قادمة». وما أن انتهى جعجع من اقتراحه حتى قال رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري «إني أتفهم هذا العرض».

وفي جلسة 8 حزيران 2006 وردا على مطالعة السيد حسن نصرالله حول الاستراتيجية الدفاعية يقول جعجع: «نقطة الارتكاز عند السيد حسن أن السلاح بيد حزب الله يشكل نوعاً من توازن الرعب، ويردع إسرائيل، وهذا افتراض غير واقعي. لم يعد سراً الحديث عن ضربة إسرائيلية قريبة، النقاش في الأوساط العسكرية الاسرائيلية هو هل نضرب على البارد أم ننتظر حدثاً ما؟ اعتقد أن العملية أصبحت بالجيبة حتى ولو كان معلوماً أنهم سيدفعون ثمناً ما. الحل يكون بطلب قوات دولية، 25 ألف جندي معززين بتغطية جوية، وهذه القوات «ليست أبو ملحم», ففي كوسوفو، الصرب لا يستطيعون العودة. قوات دولية لديها أوامر بمهمات قتالية على الجهتين، وتعطى طائرات وزوارق، لنستفيد من الفرصة والبدل المعنوي للسلاح، حتى لا يحصل هذا نتيجة حرب.»

«السيد» يرد على جعجع

الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله قال في مداخلته ردا على سمير جعجع: «(...) القول أن سلاح المقاومة غير رادع لاسرائيل وغير فعّال، كلام غير دقيق، للتوضيح لدينا طريقة في الأداء طريقة تقول اننا لا نقبل أن يحدد العدو توقيت المعركة، المهم كيف ُنشعر العدو أن كلفة أي مغامرة عسكرية هي كلفة عالية جداً عليه، لقد كرس تفاهم نيسان وكذلك تفاهم تموز أهمية الصواريخ في حماية القرى والبنى التحتية لأنها أصبحت تهدد مستعمرات العدو». وتابع شارحاً «إن حزب الله لا يريد حرباً شاملة وإقليمية... وأنا لا أقول المقاومة وحدها تحمي، بل مع الجيش اللبناني..» يتدخل الرئيس بري: «هنا أود القول، إني مصر على أن يكون الجيش موجوداً والمقاومة الى جانبه، لكل دوره ومساحته في المعركة، لم ولن يطرح يوماً أن يكون تناقض بينهما، المواجهة تحتاج الى طاقات الجميع».

يتابع السيد نصرالله: «الاسرائيلي يراهن على الفصل بين الجيش والدولة والناس من جهة، والمقاومة من جهة ثانية، وأنا مع الرئيس بري أقول كلنا يجب أن نكون في جهة واحدة. أما تجربة الحماية بالقوات الدولية، فإن كوسوفو وضعت تحت إدارة الأمم المتحدة، ولبنان لن يوضع بالمثل، وأيضاً هل ستوضع إسرائيل تحت الفصل السابع؟ هذا مستحيل».

مجدداً يتدخل الرئيس بري: «أذكركم، لقد حصل قصف لمقر الأمم المتحدة في قانا، وسقط 102 شهداء، وصدر قرار عن الأمم المتحدة بإلزام تغطية تكاليف هدم المقر، مليون دولار فقط ولم تدفع إسرائيل، لا فصل سادس ولا فصل سابع يردعها، المشكلة مع الغرب وأميركا هي أن إسرائيل استثناء لا تطبق عليه القرارات، والاستثناء الممكن لمعالجة هذا الوضع يكون في المقاومة. فكل القضية سلاح المقاومة، السلاح هو لأجل استكمال التحرير ولحماية لبنان، ويجب ألاّ نخاف منه، هو موضع اهتمام الغرب نعم، لأن كل ما يزعج إسرائيل يهم الغرب، فلتتفضل الأمم المتحدة وتضغط لانسحاب اسرائيل من شبعا وتسلّم كل الأسرى وعندها نبحث».

الحريري: سوريا ارتبكت بعد الانسحاب الاسرائيلي

هنا، يبادر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للقول: «لنعد الى الأصل، اللبنانيون يريدون اتفاقاً واضحاً حول السلاح، يريدون أن يعرفوا إذا تحررت مزارع شبعا ما هو المصير»؟.

يأخذ رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري الكلام أيضا: «عندما انسحبت اسرائيل سنة 2000، السوريون ارتبكوا ولم يكونوا مبسوطين، واختُرعت مزارع شبعا، علينا مسؤوليات أن لا نستخف بالناس حتى لا يستخفوا فينا».

يرد الرئيس بري على الحريري: «ما ضبطت معك، كأنك لم تسمع شرحي عن المزارع والملكيات». (كان الرئيس بري قد استفاض في الشرح عنها).

السيد نصرالله: «بصراحة لا مصلحة لأحد في طرح سلاح المقاومة كمشكلة، وأنا أعتبر من مسؤوليتي وواجبي الوطنيين أن أستمر في عملي حتى تحرير كل الأرض والأسرى وتأمين الحماية للبنان».

الرئيس بري: «حتى على الموت لا نخلو من الحسد».

مجريات يوم 12 تموز 2006 السياسية

في التاسعة صباحاً، وفي الطريق الى المجلس حيث تعقد جلسة للجان النيابية المشتركة بحضور الوزير السابق الفضل شلق حول مشاريع تخص مجلس الانماء والاعمار، تلقيت، وكان قد انتشر خبر عملية أسر الجنديين الاسرائيليين، اتصالاً من الرئيس بري يطلب فيه أن أتوجه الى السرايا الحكومي للتحدث الى الرئيس فؤاد السنيورة حول الموقف اللبناني، بعدما كان بري تحادث مع السنيورة هاتفياً بهذا الشأن وسمع كلاماً لا يمكن مناقشته عبر الهاتف، وفيه تحميل لحزب الله مسؤولية ما سيحدث.

توجهت الى السرايا الكبير.. انتظرت لدقائق في المنزل الملحق بمكتب السنيورة الذي لم يكن يتواجد فيه أحد. كانت فرصة للاطلاع عبر الهاتف على الوضع الميداني في الجنوب حيث كانت رقعة القصف المدفعي تتوسع. يدخل السنيورة الى حيث كنت أنتظره فيما يخرج الحاج حسين الخليل من مكتب السنيورة دون أن يرى من سيلتقي الأخير من بعده. بدا السنيورة متوتراً ومنفعلاً تتبعثر بين يديه الأوراق التي يحملها قبل أن تقع منه، يتوجه اليّ بالقول «إن لبنان لا يحتمل ما حصل، نحن لسنا في الأجواء، وبالتالي لن أتحمل المسؤولية. سأكون واضحاً، نحن لسنا على علم بما حصل (عملية خطف الجنديين الاسرائيليين) وبالتالي لسنا مسؤولين. ما حصل أمر خطير ونحن نعطي ذرائع لإسرائيل، أنا سأطلب تسليم الجنديين الاسرائيليين الى الدولة، وإلاّ فإن الأمور ستأخذ بعداً خطيراً. البلد سيخرب والحزب مسؤول والكل يجب أن يضغط».

أجبت السنيورة: «نحن أمام تحدٍ والكل مسؤول، أما أنك لم تعلم بالعملية فهذا أمر طبيعي، ونحن أيضاً لم نعلم، وأعتقد أن كثيرين في قيادة حزب الله لم يعلموا، لأن هذا من طبيعة عمل المقاومة».

السنيورة: «السيد (نصرالله) قال على طاولة الحوار إنه لن يقدم على شيء، إننا خدعنا».

بادرت الى الرد عليه قائلا:«ما أذكره أن السيد قال إنه ملتزم بالعمل على تحرير الأسرى.. والعملية هي جزء من خيارات تحريرهم».

السنيورة: «أنا لا أخرب بلد كرمالهم».

قلت له: «رأي الرئيس بري أن تدرس الخيارات بهدوء لأن أي كلام فيه إدانة لما حصل لن يفيد إلاّ اسرائيل التي ستلعب على تناقضاتنا، وآمل ألاّ يصدر أي موقف. أما بالنسبة لكيفية متابعة مسألة الأسرى، اترك الأمر مفتوح على المعالجة، ولا تضع نفسك في مواجهة داخلية، وبالتالي ولا نريد أن تضعك في مواجهة خارجية».

السنيورة: «لقد تلقيت اتصالات وأجريت بعضها، والجميع يحملنا المسؤولية عن التصعيد، بلغريني(قائد «اليونيفيل») قال لي إن الأمر فيه خرق للخط الأزرق. لقد أبلغت الحاج حسين الخليل للتو هذا الكلام، وأريد منكم أن تعلنوا هذا الموقف».

ثم انتقل الحديث عن كلفة المواجهة وصعوبة تحملها، وأن الأمور لا يمكن أن تقاس من زاوية واحدة، فقال السنيورة: «أنا أبلغت الخليل (حسين) أن عليهم أن يعلنوا أنهم يضعون الأسرى عندي كي أستطيع أن أبادر الى حل المشكلة فوراً بواسطة الاتصالات السياسية والدبلوماسية».

ميشال سليمان بدا متماسكا للغاية

عدت الى عين التينة، وكان دعي لاجتماع وزاري عقد في السراي تمحور خلاله النقاش في السياق نفسه الذي جرى بيني وبين السنيورة، وتم التشديد على ضرورة أن يتحمل الحزب مسؤولياته، ويتخذ موقفاً يتراجع فيه عن عملية الأسر.

في عين التينة، كانت الأخبار تتوالى، بدأت أجواء الحرب تتضح، وكذلك الاستعدادات الميدانية، الرئيس بري يعطي تعليماته لإقليم الجنوب أن يكون الجميع متأهبا ومتنبها.. يسأل عن الاستعدادات لعمليات الإغاثة، متوقفاً عند قصف جسر القاسمية. يتبلغ من الوزيرين محمد جواد خليفة وطلال الساحلي عن اجتماع سيعقد لمجلس الوزراء في الخامسة عصراً في المقر المؤقت قرب المسجد العمري في وسط بيروت، يعطي توجيهاته بالحرص على مسألتين: عدم الوصول الى انقسام يؤدي الى تعطيل الحكومة، والتركيز على الاعتداءات الاسرائيلية وعدم صدور أي إدانة أو موقف ضد عملية المقاومة.

وفي الوقت نفسه، أجرى الرئيس بري اتصالاً بقائد الجيش العماد ميشال سليمان الذي بدا متماسكاً للغاية، شدد خلاله بري على وجوب أن يتحمل الجيش اللبناني مسؤولياته.

وتلقى الرئيس بري اتصالا من الصين من النائب سعد الحريري الذي كان في زيارة هناك. حاول الحريري أن يعكس انطباعاً عن تأثره لما يحصل، لكنه في الوقت نفسه تحدث بالروحية السائدة لدى السنيورة المستنكرة لتوقيت العملية.

كان الرئيس بري على موعد مع غير بيدرسن الممثل الخاص بالأمين العام للأمم المتحدة في لبنان، وكان موقفه سلبيا جداً، ملمحاً للرئيس بري كي يحيّد نفسه عن هذه المواجهة، وقال: «نحن ندين عملية الأسر فهي تشكل سابقة خطيرة تفتح البلد على أمور صعبة للغاية. على حزب الله ان يسلّم سلاحه فوراً، وأن ما جرى هو خرق للخط الأزرق، وأنه اذا لم يتم اطلاق الأسرى الاسرائيليين دون قيد أو شرط سيطلق العنان لاسرائيل للتصرف كما تريد وأنه اتصل بالقيادات اللبنانية ومن بينها الجنرال ميشال عون محذرا من الوقوف الى جانب «حزب الله».

الرئيس بري: «نعم هناك مخاطر، أنا لا أنكر اننا امام تحدٍ، لكن فلنقارب الموضوع على حقيقته، المقاومة مشروعة، وجزء من عملها تحرير الأسرى، أنا لا أتحدث عن التوقيت بل عن المبدأ، طالما هناك احتلال وأسرى، هناك مقاومة، أنا طالبتكم وطالبتك شخصياً عشرات المرات منذ سنة 2000 بخرائط الألغام ولم تسلم لتاريخه، إسرائيل لا تحترم أحداً، كيف نحرر الأسرى؟ أعطني باباً واحداً لأسير معك. انا انصح ان لا تتسرعوا، سأتحدث مع حزب الله، وأعتقد ان بالإمكان الوصول الى تفاهم، على الأقل وعلى مسؤوليتي يمكنني أن أقول أن الحزب جاهز لوقف النار، فهل الاسرائيلي جاهز»؟.

رد غير بيدرسن جاء سريعاً وبدا متحضراً لهكذا طرح: «الحل هو بتسليم الأسرى ونشر الجيش وأن يكون القرار في الجنوب للدولة وحدها». يخرج بيدرسن دون أي اتفاق سوى على مواصلة التواصل.

بري لوزيري «أمل»: حدود موقفنا عدم تفجير الحكومة

في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت مساء، بلغت الأمور فيها حداً قاسياً بين الرئيس السنيورة وفريقه وبين وزراء حزب الله وحركة أمل حيث أصر السنيورة على ادراج نص بان الحكومة ليست على علم ولا تتحمل المسؤولية، حصلت اتصالات عدة وابلغ الرئيس بري الوزراء ان الحدود التي يمكن الوصول اليها في موقفنا هي التحفظ على فقرة دون ان نثير مشكلة تفجر الحكومة لان الاولوية كما قال هي لوحدة الموقف في هذه اللحظة برغم مرارة ما يقال وأبلغ بري وزيري أمل ضرورة أن يطرحا مسألة البيان الوزاري الذي يتحدث عن شرعية المقاومة وأن يتعاطيا بهدوء مع التأكيد انه في حال تجاوز هذا الخط فالرؤية واضحة بأننا على نفس الموقف مع حزب الله والرئيس أميل لحود، واُبلغ حسين الخليل الذي كان قد وصل الى عين التينة ان هذا هو التوجه وهذه هي المصلحة.

بيد أن رئيس الحكومة بدا مقتنعاً بموقف السفراء وهو قال أنه سمع كلاماً واضحاً من غير بيدرسن وبرنار إيميه(السفير الفرنسي في لبنان) وجيفري فيلتمان(السفير الأميركي في بيروت) بأن الامور أصبحت أكبر مما تعتقدون وبالتالي يجب أن يصدر موقف واضح وصدر بيان الحكومة بأنها لم تكن على علم بعملية الأسر ولا تتحمل المسؤولية ولا تتبنى ما جرى ويجري من أحداث على الحدود الدولية..

حسين الخليل: توقيت العملية كان متروكاً للاخوة الميدانيين

كان الرئيس بري استمع مع مجموعة من المتواجدين معه في ديوان عين التينة الى المؤتمر الصحافي للسيد حسن نصرالله، وعلّق إيجاباً على الوضوح والصلابة والانفتاح وعلى إشارات السيد الإيجابية للأطراف الأخرى. الحاج حسين الخليل كان من بين المتواجدين في الديوان وقد أبلغ الرئيس بري بالرسالة التي كان يحملها من السيد نصرالله وفيها: «لقد وصلتنا رسالة السنيورة واستمعنا اليه، ونقول لك نحن لا نريد الحرب لكننا مستعدون لها. ما نريده هو أن يحصل تبادل للأسرى والقنوات لذلك مفتوحة، لكننا لن نرضى بأي شكل أن نسلّم الأسيرين الى الحكومة اللبنانية، كي لا نحرج الدولة اذا لم تلتزم اسرائيل، وبالتالي ماذا ستفعل. مستعدون للتفاوض بطريقة غير مباشرة، ولا نريد أي تصعيد، لكننا لن نقول هذا ولن نطلب تهدئة».

الرئيس بري: أشدد على أن يدار الخطاب السياسي بأعلى درجات الانتباه «حتى لا نؤثر على الوحدة الوطنية في مثل هذا الظرف». (كانت بدأت تصدر عن قيادات في 14 آذار مواقف تطرح تساؤلات حول توقيت العملية وأهدافها ومن تخدم أبرزها للرئيس أمين الجميل والنائب بطرس حرب وسمير جعجع وفارس سعيد).

كان هاجس الرئيس بري استيعاب أي عملية تهجير يمكن أن تحصل. فيما عرض الحاج حسين الخليل لتفاصيل العملية وكيفية حصولها فقال: «إن توقيت العملية كان متروكاً للأخوة الميدانيين، حتى قيادة الحزب لم تكن تعلم بالتوقيت، إذ إن التعليمات كانت معطاة برصد نقاط ضعف عند العدو وعلى طول المنطقة المحتلة، والمجموعة التي أسرت كانت ترابط وتراقب منذ أيام وفق ما هو معتاد، ولديهم أسلوبهم، وهؤلاء تحديداً كانوا يقومون بالتمويه وفق الطريقة (....) عندما أبلغوا قيادتهم كانت التعليمات سريعة بالتعامل مع الهدف». ويتابع: «عندما بدأ الاسرائيلي بردة فعله في المنطقة كان الشباب في موقع آمن، وأنا الآن أقول لك أن الأسرى أصبحوا في مكان لا يمكن أن يصل اليه إلإسرائيلي. ردة فعل الاسرائيلي في المنطقة جعلته يدفع ثمناً إضافياً». وكرر الخليل: «السيد يقول لك لا نريد تصعيداً، إذا كان هناك من حديث عن وقف لإطلاق النار لا مانع عندنا ولا مانع بالتفاوض غير المباشر».

ليست هناك تعليقات: