بري ونصر الله يرفضان عرض تسليم أحد الأسيرين للحكومة: اختــراع مجنون ما بيمشي الحريري من الكويت: «حزب الله» يريد خراب لبنان.. وعليه أن يدفع الثمن
... ودخلنا عصر النار، رائحة البارود تجتهد لضرب آخر معاقل عطر الحياة، وفيما الموت يرصدنا ويطارد خطانا، كانت السياسة في الداخل تطوق فينا نبض البقاء.. تحصي لنا أنفاسنا وتعاقبنا على أنَّا قررنا أن لا نسد باب الريح.
عقارب الساعة تدق على وقع نبض السفراء، وسريعاً يتأثر ساسة لبنانيون بالتوقيت الغربي.. هم ناموا.. استفاقوا.. حالمين بالجنديين الإسرائيليين وكيفية تحريرهما من قبضة المقاومة إلى كنف «الشرعية».
راحوا وجاؤوا.. ضربوا أخماساً بأعشار.. لمعت في أدمغتهم عقول وبنات أفكار وأحد أغرب الحلول «سلمونا جندياً واحداً على سبيل الاختبار» وخذوا نصف حرب أو نهاراً كاملاً بليل مهزوم.
لم نردم الأمل.. ولم نعلقه على حبال السرايات، وكمن يعبر جسراً مهدداً بالسقوط عبرنا إلى التمسك بأهداب الوحدة الداخلية.. كنا نقدم طروحاً فنلقى عيوناً غيرى على مصلحة غيرنا لا علينا.
إن ما رويناه في الحلقة الأولى، والآتي أدناه.. ليس أدنى المواقف التي ضُبطت متلبسةً في «الأسر» المشهود، لا بل هي المرحلة التي شهدت على مدٍ وجزر وعلى عصف أفكار داخلية، قبل أن يتمكن الأميركيون من جعلها «كعصف مأكول»، وقبل أن يتورم الحل الغربي وينتشر في الجسم الأكثري.
وما نسرده اليوم عن الأمس لن يكون بمثابة الموقف السياسي، ولا هو مقال يعبر عن وجهة نظر، وهو بالتأكيد ليس كما يمكن أن يعتقد البعض رداً على تحريف صاغته مخيلة جيفري فيلتمان في «ويكيليكس» والذي كنا قد أوضحناه بمحضر حقيقي ونشر.. هي وقائع أيام عشناها على رؤوس الأشهاد قرب رئيس له ذاكرة بقدر ثلاثة وثلاثين فيلاً وأحد عشر كوكباً كان يطالبني بالكتابة منذ انتهاء الحرب لأنه عرف بالتجربة جحود الزمن عندما لا يدوّن التاريخ، وعلى مقربة أيضاً من سيد يتلو في كل دقيقة تعويذة الأقوال الصادقة.
ولأن الصدق بالصدق يذكر، فإن هذه المحاضر ستأتي على ذكر لحظات سنلمس فيها أقوالاً إيجابية «معاذ الله» وردت على لسان شخصيات تمتّ إلى الحقيقة بصلة.
فمن ساق موقفاً معتدلاً أو ما يعادله فسنراه حاضراً بين المحاضر، من دون أن يعني ذلك أن موقفه آنذاك سيعبر عن رأينا اليوم، وليس بالضرورة أن يعطي صورة إجمالية للحدث، بل مشهداً عن اللحظة السياسية حينها.
لم أجتهد.. ولم أؤلف.. واللهم إني سردت.
في الثالث عشر من تموز بدأت مؤشرات الحرب الاسرائيلية تأخذ بعداً مفتوحاً، كما ظهر على لسان الكثير من السفراء الذين لم يحملوا مشاريع تسويات أو حلول، بل كرروا بشكل ممنهج مطالب الإسرائيلي.
امتدت عمليات القصف إلى خارج الجنوب وصولاً إلى البقاع، فيما كان اليوم الثاني من نصيب الضاحية الجنوبية عبر استهداف مبنى قناة «المنار» وإقفال مطار بيروت الدولي وبداية حصار غير معلن من قبل البوارج الإسرائيلية، ثم قصف مدرجات مطاري رياق والقليعات. وعلى الرغم من توسيع دائرة النار إسرائيلياً، فقد أبلغني الحاج حسين الخليل أن قيادة «حزب الله» ما زالت في أجواء حصر الرد من خلال صليات صاروخية مدروسة تعكس قدرة المقاومة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وتبقي الباب، في الوقت نفسه، مفتوحاً على إعطاء الفرصة للتسوية في مسألة التبادل.
باكراً التحق الرئيس نبيه بري بمكتبه في عين التينة، وكان قد بدأ بكسر قواعد التنظيم الدقيق لمواعيده بين المكتب والمنزل والتي اعتاد عليها في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد هناك فترة راحة تعطي المجال لساعات الحوار المفتوح يومياً مع متابعي الشأن العام في ديوان مقر الرئاسة الثانية، وأصبح التوقيت الوحيد مضبوطاً على حساب المعركة وتطوراتها الميدانية والسياسية.
لحظة نزوله بادرنا إلى القول إننا أمام حرب أكبر من رد فعل على أسر جنديين، بل هي حرب مفتوحة تستهدف تغيير قواعد اللعبة، ليس على صعيد الجنوب فحسب بل صعوداً نحو تصفية حسابات خارجية وداخلية مرتبطة بدور المقاومة وتنامي حضورها وتأثيرها في الوقائع العربية.
أعاد الرئيس بري استحضار كلام من اتصلوا به بالأمس (12 تموز). قال إنه يرى طيف القرار 1559، وإلا فما معنى أن يتوسع كل هذا الكلام أبعد بكثير من حديث عن تبادل أسرى إلى الحدود والسيادة وسحب السلاح، إنها بداية معركة لن يكون للسياسة فيها مساحة أقل من العسكر، لكن تبقى وقائع الأرض وحدها ما يرسم حدود السياسة.
نصر الله لبري:
معركتنا ليست داخلية
وكمن يتأهب للدخول في المعركة أوعز بتوزيع المهام. اتصل بالحاج (حسين الخليل) واتفق معه على أن المصلحة في إقفال أي جدل في مجلس الوزراء والتركيز على ما قلناه البارحة بأن الحرص على التماسك الداخلي هو الأساس، كان جواب السيد حسن نصر الله معه واضحاً: معركتنا ليست داخلية ومستعدون لآخر الحدود أن نغمض أعيننا وأن لا نسمع من أجل المعركة الأهم، المهم هو أن لا يؤخذ أي قرار يطوّق حركتنا الداخلية في مواجهة إسرائيل.
رد الرئيس بري: هذه هي معركتي.
نقل الحاج حسين الخليل أن النائب سعد الحريري اتصل به، حيث أكد له الخليل ما قاله السيد نصر الله حول دور والده الشهيد رفيق الحريري في مواجهة عدوان نيسان 1996 وانهم ينتظرون منه دوراً مشابهاً.
عُقدت في اليوم نفسه جلستان لمجلس الوزراء، وفي نقاشه، حذّر الرئيس إميل لحود من بعض الكلام في الجلسة، حيث إن وزراء الأكثرية (14 آذار) بدأوا بتصعيد اللهجة واستخدام مصطلحات السفراء، دار نقاش في الجلسة، لم يخف الكثيرون ممن تحدثوا أن ما يطرح في مسودة البيان هو تلبية لطلبات الخارج.
بري للسنيورة:
الى جانبك يا فؤاد ولكن...
بين الجلستين، اتصل الرئيس بري بالرئيس السنيورة، قال له «أنا إلى جانبك يا فؤاد ونريد أن نحيّد الحكومة في هذه اللحظة بالذات عن أي انقسام. لماذا نحشر أنفسنا في أمر يمكن أن نتفق على تطبيقه بين بعضنا البعض كلبنانيين، بسط السلطة والسيادة في الجنوب وحتى الحدود أمور مرتبطة بنا، ومع بعضنا البعض يمكن أن نوجد الصيغة المناسبة، لكن طرح الموضوع بهذا الشكل سيفتح جدلاً ويحدث «نقزة» من أن هناك من يريد استغلال الوضع لحسابات داخلية لا علاقة لها بالمشكلة القائمة».
أجابه السنيورة: «أنت تتحدث وكأن لا مشكلة قائمة، أنا كل النهار أتلقى اتصالات وهناك ضغوط كثيرة ورسائل تهديد للبنان».
بري: هذا أمر طبيعي أن من يتصل بك يتصل بي، لكن يجب أن نبقى متماسكين، سنصدق أن الحق علينا، وننسى أن إسرائيل من يقصف ويدمر. أتمنى عليك أن ترتب الأجواء في مجلس الوزراء، وفي كل الأحوال أقول لك نحن متمسكون بالحفاظ على وحدة الحكومة.
السنيورة: إذاً لنأخذ القرار بالإجماع.
بري: وهل لديك ضمانة بأن إسرائيل ستوقف الحرب إذا ما اتخذتم هذا الموقف؟
رد السنيورة بسرعة: لا ضمانة ولكن هذه مسؤولية الدولة.
بري: سأعمل جاهداً لنبقى سوياً في المعركة.
جنبلاط يتضامن مع الحزب برغم اختلافه معه
لم تكن هذه أجواء الرئيس السنيورة وحده، إنما وصل للرئيس بري قبيل جلسة مجلس الوزراء أن الوزير مروان حمادة يصعّد المناخ تحضيراً للجلسة متماهياً مع الموقف الأميركي، علماً أن النائب وليد جنبلاط كان في هذا الوقت قد صرّح مؤكداً أن الوقت ليس لتحميل «حزب الله» المسؤولية، ومعلناً فتح بيوت الشوف للنازحين من الجنوب والضاحية.
تم تقدير الخطوة من الرئيس بري الذي بادر إلى الاتصال بجنبلاط وقال له: أنا أعرف أنك في الزمن الصعب لا تضيع البوصلة، والتقدير جاءه أيضاً من السيد نصر الله الذي كلف النائب نواف الموسوي إبلاغه رسالة شكر على موقفه.
مع رصده كل الإشارات المقلقة غربياً وعربياً، أبقى الرئيس بري الباب مفتوحاً وحرص على استمرار التواصل، وكانت المملكة العربية السعودية قد أصدرت موقفها الشهير باسم «مصدر مسؤول» محملة المقاومة مسؤولية «التصرفات غير المسؤولة والمغامرات غير المحسوبة»، وعلى الرغم من هذا الموقف، أجرى الرئيس بري اتصالاً بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لأنه كان على موعد مسبق معه، وتحدث إليه بمنطق «أنك يا جلالة الملك أخ للبنان ونتمنى ألا تتركه في الأيام الصعبة».
إيجابية محسوبة للحريري في العلن.. فقط
في هذه الأجواء، بدأت تتصاعد نبرة قوى 14 آذار وصدر بيان باسمها فيه اتهام بأن العملية نفذت لأهداف إقليمية، بما يعكس تأثير الضغط الدولي ويغطي مشروع إطلاق اليد الإسرائيلية الأميركية للقضاء على بنية المقاومة.
هنا التقط الرئيس بري الإشارة الإيجابية من النائب سعد الحريري في تصريح له من مصر بأنه لن يحمل المسؤولية لأحد، وتحدث إليه مثمناً موقفه ومشجعاً على التعاون واستكمال جولته العربية. وفي الإطار نفسه، أبلغ السيد نصر الله معاونه السياسي بأن يتابع مع الشيخ سعد إيجاباً.
إنها إيجابية كانت محسوبة في الظرف والأسلوب، لأننا سنرصد كلاماً آخر للنائب الحريري يخفي توافقاً وتناغماً مع المشروع الغربي، وما كان يدلي به السفراء في السر والعلن.
بعد لقاءات واتصالات مع عدد من السفراء، وخصوصاً الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار ايمييه، تعزز انطباع الرئيس بري بأن الطروحات تجاوزت الأسرى إلى محاولة إحداث انشقاقات داخلية وطرح سلة شروط متكاملة تؤدي إلى إنهاء دور المقاومة.
في وقت متزامن، كان الحاج حسين الخليل ينقل لي أن اتصالات تتم مع النائب الحريري ولأكثر من مرة في اليوم وبطريقة أحرجت الحاج أمنياً لأن الحريري كان يتحدث بواسطة هاتف دولي من السهل تعقبه، وكان الحريري يمارس نوعاً من التهويل المكرر واللازمة الثابتة هي: «إني أسمع كلاماً كبيراً من الذين ألتقيهم من الرؤساء والملوك، لبنان سيدمر وإسرائيل تذبحنا، سلموا الأسرى للدولة ونتحدث في آلية الخروج من المشكلة».
كان رد الحاج حسين نقلاً عن أجواء السيد نصر الله: «مع تقديري لمخاوفكم، إلا أن الوضع ليس كذلك، تعودنا على التهويل من قبل العرب، لقد وضعنا قواعد لتسليم الأسرى نرى فيها مصلحة الجميع، لا تنقلوا المشكلة إلى داخل الحكومة وبين بعضنا البعض، وأنت في جولتك اضغط في هذا الاتجاه».
الحريري: هنا لا أحد مستعد ليسمع مثل هذا الكلام، أنا أساساً أرى أنكم أدخلتمونا في مشكل أكبر منا.
حسين الخليل: لتعلم وانقل لمن تلتقيه، نحن لن نقف مكتوفي الأيدي، وبقدر استعدادنا للتفاوض سنكمل المعركة وسترى أن الحق معنا، هي تضرب ونحن سنرد على عدوانها.
بري يشجع السنيورة مجددا
صدر موقف آخر للحكومة في اليوم التالي (14 تموز) لم يتطرق إلى موضوعي السلاح والمقاومة.
بادر الرئيس بري إلى الاتصال بالرئيس السنيورة وتشجيعه على هذا الموقف.
ردّ السنيورة لم يعبر عن تغيير بل قال إنه تحدث مع الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندليسا رايس اللذين نقلا له أنهما مستاءان جداً ويحملان لبنان المسؤولية رغم تقديرهما لموقف الحكومة.
بري: من المهم التواصل مع الجميع لكن لا تتوقع أن يكون موقف الأميركيين غير هذا، لا تنسَ أن الطرف الآخر إسرائيل.
السنيورة: هم قالوا إنهم يرفضون الضغط على إسرائيل.
بري: المهم ألا يضغطوا علينا ويتركونا مجتمعين.
عندما تجاوز السفير المصري القواعد الدبلوماسية
في اليوم نفسه، التقى الرئيس بري السفير المصري في بيروت حسين ضرار الذي تحدث بكلام واضح يتجاوز القواعد الدبلوماسية ومفاده أن المطلوب سحب سلاح الحزب وتنفيذ القرار 1559، وأن المعركة مفتوحة بحسب علمه حتى تحقيق هذا.
هنا تأكد الرئيس بري من أن هناك جبهة عربية ـ أميركية قد تشكلت وتعمل في الاتجاه نفسه، وقد أضيف إليها الأردني ـ المصري.
مساءً، أطل السيد حسن نصر الله على الشاشة ليعلن عن قصف البارجة الإسرائيلية، ما رفع المعنويات التي كانت قد خفت بعد تراجع الرد الصاروخي طوال اليوم، وتحدث «السيد» بأسى عن الموقف السعودي، وكان تعليق الرئيس بري: «أفهم ذلك ولكني سأبقى أتابع مع الجميع بمن فيهم السعودي علّنا نحمي الداخل من تأثير بعض الخارج».
في تلك الليلة، سجّل ضغط من أميركا في مجلس الأمن لرفض أي حديث عن وقف النار وقراره إرسال وفد إلى لبنان، وكان هذا بداية التحرك الدولي الذي قابله موقف إسرائيلي واضح يرفض بحث أي أمر سوى إعادة الجنديين الأسيرين من دون قيد أو شرط وتنفيذ القرار 1559 وإبعاد «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني.
حضر السنيورة في تلك الليلة إلى عين التينة وطرح أنه يريد أن يذهب إلى القاهرة لحضور مجلس الجامعة العربية.
بري: أنا أرفض هذا، المطار محاصر، أتريد أن تخرج تحت غطاء الإسرائيلي، لا أعتقد أنك تقبل هذا، الوزير فوزي صلوخ (وزير الخارجية) في أرمينيا، يجب أن يكلف بأن يأتي من هناك مباشرة إلى مصر، أنا ألغيت موعدي مع الملك عبد الله حتى لا أسافر هكذا.
شعرت من حماسة السنيورة للذهاب أنه كان يريد أن يطمئن لنقل وجهة نظره المتكاملة مع مواقف بعض العرب.
في اليوم التالي (15 تموز)، عقد الرئيس السنيورة مؤتمراً صحافياً في السرايا الكبيرة اعترف فيه بأن موقفه الذي تبرأ فيه منذ اليوم الأول من عملية الأسر لم يوقف الحرب، وكان هذا تطوراً مهماً في موقفه فتح باب التواصل معه أكثر.
الحريري: الحزب يريد خراب لبنان!
في هذا الوقت، اتصلت إحدى الشخصيات الكويتية البارزة وتحدثت عما صدر عن النائب سعد الحريري أمامها خلال زيارته للكويت من كلام يحمل تحريضاً على المقاومة وأن «الجماعة يريدون خراب لبنان لمصلحة خارجية»، وهم يتحملون مسؤولية ما يحصل «وعليهم أن يدفعوا الثمن».
تحدث الحاج حسين الخليل معي ناقلاً أجواء اتصالاته الأخيرة مع النائب الحريري الذي أصر على نقل اقتراح للسيد حسن نصر الله مفاده أن يسلم الحزب أسيراً واحداً للحكومة ويبقى الآخر مع الحزب، قال إنه أجابه بسرعة بأن هذا لا يمشي، ولكنه عند إصراره نقله للسيد الذي استهجن مثل هذا الطرح السطحي طالباً عدم إضاعة الوقت عليه والتركيز على ما يحل المسألة برمتها.
عندما أبلغت الرئيس بري بما طرحه سعد، كان رد فعله كيف يتم مثل هذا في حالة الجنون الإسرائيلي، هل مقابل أسير توقف إسرائيل نصف مجزرة، هل نوقف نصف حرب، إنه اختراع لا يركب، سعد يحاول أن يعمل أمراً ما، سأتعاطى مع الموضوع وكأني لم أسمع به.
فيلتمان لبري: هذه هي قواعد الحل والحرب لن تتوقف
تلقى الرئيس بري اتصالاً من السفير الأميركي جيفري فيلتمان، تحدث بإيجابية عن الإجماع الذي حصل في مجلس الوزراء حول البيان الأخير، ونقل أن إسرائيل لا تريد وقف إطلاق النار وهي مصرة على شروطها وتعتبر أن المعركة لصالحها وأنها تلحق خسائر كبيرة بـ«حزب الله».
بري: إنهم واهمون، الخسائر في البنية المدنية، الحزب خسائره محدودة جداً، أما الموقف الإسرائيلي فهو موقفكم، الرئيس بوش موقفه أعلى من الإسرائيلي.
فيلتمان: هناك وفد سيصل من الأمم المتحدة الساعة السادسة مساءً ولهذا نحن نعمل على التهدئة وليس وقف إطلاق النار.
بري: من يستطيع فرض هدنة لماذا لا يوقف مجازر إسرائيل.
فيلتمان: أنا نقلت لكم قواعد الحل.
بري: لا تراهنوا على هذا، نحن نعرف أنكم تريدون نقل المشكلة إلى الحكومة ولكننا لن نسمح بالوصول إلى هذا، أنا سأبقى على تواصل مع الرئيس السنيورة. مجدداً أقول لك، أوقفوا إطلاق النار وأعتقد أننا نصل إلى حل مشكلة الأسرى بسرعة.
اتصل بعدها الرئيس بري بالرئيس السنيورة، كان هادئاً ويتحدث بانفتاح، قال السنيورة إن رئيس الوزراء الإيطالي برودي اتصل به وأبلغه أنه تحادث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت الذي يشترط لوقف النار:
1ـ تسليم الأسيرين.
2ـ انسحاب «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني.
وفي الليلة نفسها صرّح أولمرت أن مطالبة السنيورة ببسط سيادة الدولة حتى الحدود الدولية خطوة في الطريق الصحيح.
وانعقد في اليوم نفسه اجتماع مشترك لقيادتي «أمل» و«حزب الله» لتطوير التنسيق الميداني، وكان هذا تعبيراً عن التكامل بين الطرفين في ساحة المعركة.
في حلقة يوم السبت المقبل
السيد حسن نصر الله يفوض الرئيس نبيه بري بادارة المعركة السياسية... ووقائع المفاوضات الاولى مع الموفدين الدوليين.
... ودخلنا عصر النار، رائحة البارود تجتهد لضرب آخر معاقل عطر الحياة، وفيما الموت يرصدنا ويطارد خطانا، كانت السياسة في الداخل تطوق فينا نبض البقاء.. تحصي لنا أنفاسنا وتعاقبنا على أنَّا قررنا أن لا نسد باب الريح.
عقارب الساعة تدق على وقع نبض السفراء، وسريعاً يتأثر ساسة لبنانيون بالتوقيت الغربي.. هم ناموا.. استفاقوا.. حالمين بالجنديين الإسرائيليين وكيفية تحريرهما من قبضة المقاومة إلى كنف «الشرعية».
راحوا وجاؤوا.. ضربوا أخماساً بأعشار.. لمعت في أدمغتهم عقول وبنات أفكار وأحد أغرب الحلول «سلمونا جندياً واحداً على سبيل الاختبار» وخذوا نصف حرب أو نهاراً كاملاً بليل مهزوم.
لم نردم الأمل.. ولم نعلقه على حبال السرايات، وكمن يعبر جسراً مهدداً بالسقوط عبرنا إلى التمسك بأهداب الوحدة الداخلية.. كنا نقدم طروحاً فنلقى عيوناً غيرى على مصلحة غيرنا لا علينا.
إن ما رويناه في الحلقة الأولى، والآتي أدناه.. ليس أدنى المواقف التي ضُبطت متلبسةً في «الأسر» المشهود، لا بل هي المرحلة التي شهدت على مدٍ وجزر وعلى عصف أفكار داخلية، قبل أن يتمكن الأميركيون من جعلها «كعصف مأكول»، وقبل أن يتورم الحل الغربي وينتشر في الجسم الأكثري.
وما نسرده اليوم عن الأمس لن يكون بمثابة الموقف السياسي، ولا هو مقال يعبر عن وجهة نظر، وهو بالتأكيد ليس كما يمكن أن يعتقد البعض رداً على تحريف صاغته مخيلة جيفري فيلتمان في «ويكيليكس» والذي كنا قد أوضحناه بمحضر حقيقي ونشر.. هي وقائع أيام عشناها على رؤوس الأشهاد قرب رئيس له ذاكرة بقدر ثلاثة وثلاثين فيلاً وأحد عشر كوكباً كان يطالبني بالكتابة منذ انتهاء الحرب لأنه عرف بالتجربة جحود الزمن عندما لا يدوّن التاريخ، وعلى مقربة أيضاً من سيد يتلو في كل دقيقة تعويذة الأقوال الصادقة.
ولأن الصدق بالصدق يذكر، فإن هذه المحاضر ستأتي على ذكر لحظات سنلمس فيها أقوالاً إيجابية «معاذ الله» وردت على لسان شخصيات تمتّ إلى الحقيقة بصلة.
فمن ساق موقفاً معتدلاً أو ما يعادله فسنراه حاضراً بين المحاضر، من دون أن يعني ذلك أن موقفه آنذاك سيعبر عن رأينا اليوم، وليس بالضرورة أن يعطي صورة إجمالية للحدث، بل مشهداً عن اللحظة السياسية حينها.
لم أجتهد.. ولم أؤلف.. واللهم إني سردت.
في الثالث عشر من تموز بدأت مؤشرات الحرب الاسرائيلية تأخذ بعداً مفتوحاً، كما ظهر على لسان الكثير من السفراء الذين لم يحملوا مشاريع تسويات أو حلول، بل كرروا بشكل ممنهج مطالب الإسرائيلي.
امتدت عمليات القصف إلى خارج الجنوب وصولاً إلى البقاع، فيما كان اليوم الثاني من نصيب الضاحية الجنوبية عبر استهداف مبنى قناة «المنار» وإقفال مطار بيروت الدولي وبداية حصار غير معلن من قبل البوارج الإسرائيلية، ثم قصف مدرجات مطاري رياق والقليعات. وعلى الرغم من توسيع دائرة النار إسرائيلياً، فقد أبلغني الحاج حسين الخليل أن قيادة «حزب الله» ما زالت في أجواء حصر الرد من خلال صليات صاروخية مدروسة تعكس قدرة المقاومة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، وتبقي الباب، في الوقت نفسه، مفتوحاً على إعطاء الفرصة للتسوية في مسألة التبادل.
باكراً التحق الرئيس نبيه بري بمكتبه في عين التينة، وكان قد بدأ بكسر قواعد التنظيم الدقيق لمواعيده بين المكتب والمنزل والتي اعتاد عليها في السنوات الأخيرة، حيث لم تعد هناك فترة راحة تعطي المجال لساعات الحوار المفتوح يومياً مع متابعي الشأن العام في ديوان مقر الرئاسة الثانية، وأصبح التوقيت الوحيد مضبوطاً على حساب المعركة وتطوراتها الميدانية والسياسية.
لحظة نزوله بادرنا إلى القول إننا أمام حرب أكبر من رد فعل على أسر جنديين، بل هي حرب مفتوحة تستهدف تغيير قواعد اللعبة، ليس على صعيد الجنوب فحسب بل صعوداً نحو تصفية حسابات خارجية وداخلية مرتبطة بدور المقاومة وتنامي حضورها وتأثيرها في الوقائع العربية.
أعاد الرئيس بري استحضار كلام من اتصلوا به بالأمس (12 تموز). قال إنه يرى طيف القرار 1559، وإلا فما معنى أن يتوسع كل هذا الكلام أبعد بكثير من حديث عن تبادل أسرى إلى الحدود والسيادة وسحب السلاح، إنها بداية معركة لن يكون للسياسة فيها مساحة أقل من العسكر، لكن تبقى وقائع الأرض وحدها ما يرسم حدود السياسة.
نصر الله لبري:
معركتنا ليست داخلية
وكمن يتأهب للدخول في المعركة أوعز بتوزيع المهام. اتصل بالحاج (حسين الخليل) واتفق معه على أن المصلحة في إقفال أي جدل في مجلس الوزراء والتركيز على ما قلناه البارحة بأن الحرص على التماسك الداخلي هو الأساس، كان جواب السيد حسن نصر الله معه واضحاً: معركتنا ليست داخلية ومستعدون لآخر الحدود أن نغمض أعيننا وأن لا نسمع من أجل المعركة الأهم، المهم هو أن لا يؤخذ أي قرار يطوّق حركتنا الداخلية في مواجهة إسرائيل.
رد الرئيس بري: هذه هي معركتي.
نقل الحاج حسين الخليل أن النائب سعد الحريري اتصل به، حيث أكد له الخليل ما قاله السيد نصر الله حول دور والده الشهيد رفيق الحريري في مواجهة عدوان نيسان 1996 وانهم ينتظرون منه دوراً مشابهاً.
عُقدت في اليوم نفسه جلستان لمجلس الوزراء، وفي نقاشه، حذّر الرئيس إميل لحود من بعض الكلام في الجلسة، حيث إن وزراء الأكثرية (14 آذار) بدأوا بتصعيد اللهجة واستخدام مصطلحات السفراء، دار نقاش في الجلسة، لم يخف الكثيرون ممن تحدثوا أن ما يطرح في مسودة البيان هو تلبية لطلبات الخارج.
بري للسنيورة:
الى جانبك يا فؤاد ولكن...
بين الجلستين، اتصل الرئيس بري بالرئيس السنيورة، قال له «أنا إلى جانبك يا فؤاد ونريد أن نحيّد الحكومة في هذه اللحظة بالذات عن أي انقسام. لماذا نحشر أنفسنا في أمر يمكن أن نتفق على تطبيقه بين بعضنا البعض كلبنانيين، بسط السلطة والسيادة في الجنوب وحتى الحدود أمور مرتبطة بنا، ومع بعضنا البعض يمكن أن نوجد الصيغة المناسبة، لكن طرح الموضوع بهذا الشكل سيفتح جدلاً ويحدث «نقزة» من أن هناك من يريد استغلال الوضع لحسابات داخلية لا علاقة لها بالمشكلة القائمة».
أجابه السنيورة: «أنت تتحدث وكأن لا مشكلة قائمة، أنا كل النهار أتلقى اتصالات وهناك ضغوط كثيرة ورسائل تهديد للبنان».
بري: هذا أمر طبيعي أن من يتصل بك يتصل بي، لكن يجب أن نبقى متماسكين، سنصدق أن الحق علينا، وننسى أن إسرائيل من يقصف ويدمر. أتمنى عليك أن ترتب الأجواء في مجلس الوزراء، وفي كل الأحوال أقول لك نحن متمسكون بالحفاظ على وحدة الحكومة.
السنيورة: إذاً لنأخذ القرار بالإجماع.
بري: وهل لديك ضمانة بأن إسرائيل ستوقف الحرب إذا ما اتخذتم هذا الموقف؟
رد السنيورة بسرعة: لا ضمانة ولكن هذه مسؤولية الدولة.
بري: سأعمل جاهداً لنبقى سوياً في المعركة.
جنبلاط يتضامن مع الحزب برغم اختلافه معه
لم تكن هذه أجواء الرئيس السنيورة وحده، إنما وصل للرئيس بري قبيل جلسة مجلس الوزراء أن الوزير مروان حمادة يصعّد المناخ تحضيراً للجلسة متماهياً مع الموقف الأميركي، علماً أن النائب وليد جنبلاط كان في هذا الوقت قد صرّح مؤكداً أن الوقت ليس لتحميل «حزب الله» المسؤولية، ومعلناً فتح بيوت الشوف للنازحين من الجنوب والضاحية.
تم تقدير الخطوة من الرئيس بري الذي بادر إلى الاتصال بجنبلاط وقال له: أنا أعرف أنك في الزمن الصعب لا تضيع البوصلة، والتقدير جاءه أيضاً من السيد نصر الله الذي كلف النائب نواف الموسوي إبلاغه رسالة شكر على موقفه.
مع رصده كل الإشارات المقلقة غربياً وعربياً، أبقى الرئيس بري الباب مفتوحاً وحرص على استمرار التواصل، وكانت المملكة العربية السعودية قد أصدرت موقفها الشهير باسم «مصدر مسؤول» محملة المقاومة مسؤولية «التصرفات غير المسؤولة والمغامرات غير المحسوبة»، وعلى الرغم من هذا الموقف، أجرى الرئيس بري اتصالاً بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز لأنه كان على موعد مسبق معه، وتحدث إليه بمنطق «أنك يا جلالة الملك أخ للبنان ونتمنى ألا تتركه في الأيام الصعبة».
إيجابية محسوبة للحريري في العلن.. فقط
في هذه الأجواء، بدأت تتصاعد نبرة قوى 14 آذار وصدر بيان باسمها فيه اتهام بأن العملية نفذت لأهداف إقليمية، بما يعكس تأثير الضغط الدولي ويغطي مشروع إطلاق اليد الإسرائيلية الأميركية للقضاء على بنية المقاومة.
هنا التقط الرئيس بري الإشارة الإيجابية من النائب سعد الحريري في تصريح له من مصر بأنه لن يحمل المسؤولية لأحد، وتحدث إليه مثمناً موقفه ومشجعاً على التعاون واستكمال جولته العربية. وفي الإطار نفسه، أبلغ السيد نصر الله معاونه السياسي بأن يتابع مع الشيخ سعد إيجاباً.
إنها إيجابية كانت محسوبة في الظرف والأسلوب، لأننا سنرصد كلاماً آخر للنائب الحريري يخفي توافقاً وتناغماً مع المشروع الغربي، وما كان يدلي به السفراء في السر والعلن.
بعد لقاءات واتصالات مع عدد من السفراء، وخصوصاً الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار ايمييه، تعزز انطباع الرئيس بري بأن الطروحات تجاوزت الأسرى إلى محاولة إحداث انشقاقات داخلية وطرح سلة شروط متكاملة تؤدي إلى إنهاء دور المقاومة.
في وقت متزامن، كان الحاج حسين الخليل ينقل لي أن اتصالات تتم مع النائب الحريري ولأكثر من مرة في اليوم وبطريقة أحرجت الحاج أمنياً لأن الحريري كان يتحدث بواسطة هاتف دولي من السهل تعقبه، وكان الحريري يمارس نوعاً من التهويل المكرر واللازمة الثابتة هي: «إني أسمع كلاماً كبيراً من الذين ألتقيهم من الرؤساء والملوك، لبنان سيدمر وإسرائيل تذبحنا، سلموا الأسرى للدولة ونتحدث في آلية الخروج من المشكلة».
كان رد الحاج حسين نقلاً عن أجواء السيد نصر الله: «مع تقديري لمخاوفكم، إلا أن الوضع ليس كذلك، تعودنا على التهويل من قبل العرب، لقد وضعنا قواعد لتسليم الأسرى نرى فيها مصلحة الجميع، لا تنقلوا المشكلة إلى داخل الحكومة وبين بعضنا البعض، وأنت في جولتك اضغط في هذا الاتجاه».
الحريري: هنا لا أحد مستعد ليسمع مثل هذا الكلام، أنا أساساً أرى أنكم أدخلتمونا في مشكل أكبر منا.
حسين الخليل: لتعلم وانقل لمن تلتقيه، نحن لن نقف مكتوفي الأيدي، وبقدر استعدادنا للتفاوض سنكمل المعركة وسترى أن الحق معنا، هي تضرب ونحن سنرد على عدوانها.
بري يشجع السنيورة مجددا
صدر موقف آخر للحكومة في اليوم التالي (14 تموز) لم يتطرق إلى موضوعي السلاح والمقاومة.
بادر الرئيس بري إلى الاتصال بالرئيس السنيورة وتشجيعه على هذا الموقف.
ردّ السنيورة لم يعبر عن تغيير بل قال إنه تحدث مع الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندليسا رايس اللذين نقلا له أنهما مستاءان جداً ويحملان لبنان المسؤولية رغم تقديرهما لموقف الحكومة.
بري: من المهم التواصل مع الجميع لكن لا تتوقع أن يكون موقف الأميركيين غير هذا، لا تنسَ أن الطرف الآخر إسرائيل.
السنيورة: هم قالوا إنهم يرفضون الضغط على إسرائيل.
بري: المهم ألا يضغطوا علينا ويتركونا مجتمعين.
عندما تجاوز السفير المصري القواعد الدبلوماسية
في اليوم نفسه، التقى الرئيس بري السفير المصري في بيروت حسين ضرار الذي تحدث بكلام واضح يتجاوز القواعد الدبلوماسية ومفاده أن المطلوب سحب سلاح الحزب وتنفيذ القرار 1559، وأن المعركة مفتوحة بحسب علمه حتى تحقيق هذا.
هنا تأكد الرئيس بري من أن هناك جبهة عربية ـ أميركية قد تشكلت وتعمل في الاتجاه نفسه، وقد أضيف إليها الأردني ـ المصري.
مساءً، أطل السيد حسن نصر الله على الشاشة ليعلن عن قصف البارجة الإسرائيلية، ما رفع المعنويات التي كانت قد خفت بعد تراجع الرد الصاروخي طوال اليوم، وتحدث «السيد» بأسى عن الموقف السعودي، وكان تعليق الرئيس بري: «أفهم ذلك ولكني سأبقى أتابع مع الجميع بمن فيهم السعودي علّنا نحمي الداخل من تأثير بعض الخارج».
في تلك الليلة، سجّل ضغط من أميركا في مجلس الأمن لرفض أي حديث عن وقف النار وقراره إرسال وفد إلى لبنان، وكان هذا بداية التحرك الدولي الذي قابله موقف إسرائيلي واضح يرفض بحث أي أمر سوى إعادة الجنديين الأسيرين من دون قيد أو شرط وتنفيذ القرار 1559 وإبعاد «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني.
حضر السنيورة في تلك الليلة إلى عين التينة وطرح أنه يريد أن يذهب إلى القاهرة لحضور مجلس الجامعة العربية.
بري: أنا أرفض هذا، المطار محاصر، أتريد أن تخرج تحت غطاء الإسرائيلي، لا أعتقد أنك تقبل هذا، الوزير فوزي صلوخ (وزير الخارجية) في أرمينيا، يجب أن يكلف بأن يأتي من هناك مباشرة إلى مصر، أنا ألغيت موعدي مع الملك عبد الله حتى لا أسافر هكذا.
شعرت من حماسة السنيورة للذهاب أنه كان يريد أن يطمئن لنقل وجهة نظره المتكاملة مع مواقف بعض العرب.
في اليوم التالي (15 تموز)، عقد الرئيس السنيورة مؤتمراً صحافياً في السرايا الكبيرة اعترف فيه بأن موقفه الذي تبرأ فيه منذ اليوم الأول من عملية الأسر لم يوقف الحرب، وكان هذا تطوراً مهماً في موقفه فتح باب التواصل معه أكثر.
الحريري: الحزب يريد خراب لبنان!
في هذا الوقت، اتصلت إحدى الشخصيات الكويتية البارزة وتحدثت عما صدر عن النائب سعد الحريري أمامها خلال زيارته للكويت من كلام يحمل تحريضاً على المقاومة وأن «الجماعة يريدون خراب لبنان لمصلحة خارجية»، وهم يتحملون مسؤولية ما يحصل «وعليهم أن يدفعوا الثمن».
تحدث الحاج حسين الخليل معي ناقلاً أجواء اتصالاته الأخيرة مع النائب الحريري الذي أصر على نقل اقتراح للسيد حسن نصر الله مفاده أن يسلم الحزب أسيراً واحداً للحكومة ويبقى الآخر مع الحزب، قال إنه أجابه بسرعة بأن هذا لا يمشي، ولكنه عند إصراره نقله للسيد الذي استهجن مثل هذا الطرح السطحي طالباً عدم إضاعة الوقت عليه والتركيز على ما يحل المسألة برمتها.
عندما أبلغت الرئيس بري بما طرحه سعد، كان رد فعله كيف يتم مثل هذا في حالة الجنون الإسرائيلي، هل مقابل أسير توقف إسرائيل نصف مجزرة، هل نوقف نصف حرب، إنه اختراع لا يركب، سعد يحاول أن يعمل أمراً ما، سأتعاطى مع الموضوع وكأني لم أسمع به.
فيلتمان لبري: هذه هي قواعد الحل والحرب لن تتوقف
تلقى الرئيس بري اتصالاً من السفير الأميركي جيفري فيلتمان، تحدث بإيجابية عن الإجماع الذي حصل في مجلس الوزراء حول البيان الأخير، ونقل أن إسرائيل لا تريد وقف إطلاق النار وهي مصرة على شروطها وتعتبر أن المعركة لصالحها وأنها تلحق خسائر كبيرة بـ«حزب الله».
بري: إنهم واهمون، الخسائر في البنية المدنية، الحزب خسائره محدودة جداً، أما الموقف الإسرائيلي فهو موقفكم، الرئيس بوش موقفه أعلى من الإسرائيلي.
فيلتمان: هناك وفد سيصل من الأمم المتحدة الساعة السادسة مساءً ولهذا نحن نعمل على التهدئة وليس وقف إطلاق النار.
بري: من يستطيع فرض هدنة لماذا لا يوقف مجازر إسرائيل.
فيلتمان: أنا نقلت لكم قواعد الحل.
بري: لا تراهنوا على هذا، نحن نعرف أنكم تريدون نقل المشكلة إلى الحكومة ولكننا لن نسمح بالوصول إلى هذا، أنا سأبقى على تواصل مع الرئيس السنيورة. مجدداً أقول لك، أوقفوا إطلاق النار وأعتقد أننا نصل إلى حل مشكلة الأسرى بسرعة.
اتصل بعدها الرئيس بري بالرئيس السنيورة، كان هادئاً ويتحدث بانفتاح، قال السنيورة إن رئيس الوزراء الإيطالي برودي اتصل به وأبلغه أنه تحادث مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت الذي يشترط لوقف النار:
1ـ تسليم الأسيرين.
2ـ انسحاب «حزب الله» إلى ما بعد الليطاني.
وفي الليلة نفسها صرّح أولمرت أن مطالبة السنيورة ببسط سيادة الدولة حتى الحدود الدولية خطوة في الطريق الصحيح.
وانعقد في اليوم نفسه اجتماع مشترك لقيادتي «أمل» و«حزب الله» لتطوير التنسيق الميداني، وكان هذا تعبيراً عن التكامل بين الطرفين في ساحة المعركة.
في حلقة يوم السبت المقبل
السيد حسن نصر الله يفوض الرئيس نبيه بري بادارة المعركة السياسية... ووقائع المفاوضات الاولى مع الموفدين الدوليين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق