الرباعية …السلم والرصاصة
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للإعلام
فشلت اللجنة الرباعية الاثنين الماضي في إصدار بيان ختامي يسمح باستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. هذا الاجتماع(البيان) كان يفترض أن يمثّل السلّم الذي ينزل السلطة عن شجرة استحقاق أيلول العالية، فإذا به يطلق رصاصة الرحمة على عملية التسوية برمّتها، ويقدّم دليلاً إضافياً على جمودها وموتها السريري، واستحالة إعادتها إلى الحياة من جديد .
العنوان أوالهدف الأساسي للاجتماع تمثّل أصلاً بقطع الطريق على السلطة الفلسطينية ،ومنعها من الذهاب إلى الأمم المتحدة في أيلول القادم؛ لنيل الاعتراف بدولة مستقلّة ،ضمن حدود حزيران يونيو1967، تفادياً للازدواج الأخلاقي والنفاق السياسي عند عرض الأمر للتصويت، خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي الذي وقف وراء الاجتماع الأخير، رغم عدم رضى وتلكؤ الإدارة الأمريكية. وكانت الفكرة الأوروبية بسيطة: إصدار بيان يتضمّن ما يشبه الخطة - خارطة طريق أخرى- المستندة إلى خطاب الرئيس أوباما في الخارجية الأمريكية أيار/ مايو الماضي، تحديداً فيما يتعلق بخطوط حزيران كحدود للدولة الفلسطينية مع تبادل أراض متفق عليه، وضمانات أو ترتيبات أمنية متفق عليها أيضاً، على أن يتمّ الانتهاء من بقية القضايا الصعبة والحساسة والشائكة، خاصة ملفيّ القدس واللاجئين ضمن سقف زمني لا يتجاوز العام .
كما قلنا، قبلت إدارة أوباما الفكرة على مضض، وهي لم تشأ أن تتحوّل الرباعية إلى لاعب فعلي وجوهري في ملف التسوية؛ كونها تريدها أداة لتنفيذ التوجّهات، أو حتى قناعاً للتغطية على المأزق أو العجز الأمريكي. وبالتالي، فقد عرقلت الاجتماع على طريقتها، عندما فرض دينيس روس منطقه الفاشل والمنحاز بشكل أعمى لإسرائيل والمروّج لفكرة أن لا داعي لإصدار خطة قد يرفضها أحد الطرفين، حتى لو كانت منطقية وعادلة وواقعية. روس منسجم هنا مع موقفه الصهيوني المصرّ على تفاوض ثنائي بعيداً من أي وساطات أو تدخّلات؛ كي يتمّ ضمان فرض موازين القوى المختلّة على المفاوضات، وترجمتها في أي اتفاقات أو تفاهمات قد يتمّ التوصّل إليها مستقبلاً. ومع فرض هذا المنطق الأعوج، وغير العادل، تمّ التواطؤ مع إسرائيل التي قدّمت عبر روس ونفوذه الواسع في البيت الأبيض مقترحاً مضاداً يتضمّن الموافقة على فكرة خطوط حزيران كأساس للتفاوض، والانطلاق من قضيتي الحدود والأمن، شرط أن تتعهّد السلطة بقبول فكرة يهودية إسرائيل. وهذا الاقتراح الملغوم يلقي بالكرة في الملعب الفلسطيني، من حيث الشكل، أما مضموناً فيشطب حق العودة للاجئين، كما الحق الفلسطيني بالقدس، ويفرغ أي مفاوضات من محتواها وجدواها، ويكرّس، في المقابل، فكرة الحكم الذاتي البلدي الموسّع للسكان، وهو الحل التاريخي لليمين الإسرائيلي الذي بات مهيمناً ومسيطراً على الحياة السياسية والحزبية بالكامل، إثر انهيار الوسط أو اليسار بالمعنى أو البعد الإسرائيلي الداخلي طبعاً .
بناءً على المعطيات السابقة، فشل الاجتماع. فالسلطة لا تستطيع القبول بيهودية إسرائيل، رغم ترحيبها بأي خطة تتيح لها النزول عن شجرة استحقاق أيلول، شرط أن تتضمّن كلمات حزيران/ يونيو 67 ولو كتاريخ فقط. والاتحاد الأوروبي لا يستطيع فرض إرادته أو الضغط الفعلي على إسرائيل لقبول المواثيق والشرعية الدولية-في حدّها الأدنى طبعاً- التي تراها معظم دول العالم أساساً للحلّ، بما في ذلك إدارة أوباما التي رغم قناعاتها ما زالت تعطي الأولوية للاعتبارات الداخلية. علماً أنها لا تخشى ما يعرف بـ"استحقاق أيلول" بل تستغلّه لابتزاز السلطة والضغط عليها، كما أنها أعلنت صراحة أنها ستستخدم الفيتو عند عرض الأمر على مجلس الأمن، رغم ما سيسبّبه ذلك من غضب وسخط في الشارع العربي والإسلامي. ولكن، في أمريكا، كما دائماً، تتقدّم الأولويات والاعتبارات الداخلية على الأولويات والاعتبارات الخارجية .
العبرة الأهمّ ممّا جرى في الاجتماع يجب أن يتمّ استخلاصها فلسطينياً، وهي ما عبّر عنها -مبدئياً- الرئيس أبو مازن عندما قال إن الفشل في إصدار بيان هو بمثابة مؤشّر سيّىء على العملية برمّتها. وهنا، للأسف، فقد لامس الرئيس الحقيقة جزئياً، الأمر ليس فقط مؤشراً وإنما دليل أكيد على موت عملية التسوية واستحالة إعادتها إلى الحياة، وعجز الرباعية والاتحاد الأوروبي، وحتى الأمم المتحدة عن الضغط الفعلي على الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، والتي يفتخر رئيسها بأنه أجبر الرئيس الأمريكي على الانحناء أمامه والخنوع لرغباته وتصوّراته .
بدلاً من السلم، أطلقت الرباعية دون أن تدري ما يشبه رصاصة الرحمة على عملية التسوية، ما يفترض أن يمثّل دافعاً إضافياً للسلطة لتسريع خطوات المصالحة، وترتيب البيت الداخلي لإدارة الصراع مع إسرائيل قبل أيلول وبعده، بذهنية واستراتيجية جديدة لا تعتمد التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض لاسترجاع الحقوق، بل المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة بكافة أشكالها وتجلّياتها السياسية والديبلوماسية لإجبار إسرائيل على الانصياع، أو على الأقل دفع ثمن باهظ مقابل الاحتلال والتنكّر للمواثيق والشرائع الدولية .
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للإعلام
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للإعلام
فشلت اللجنة الرباعية الاثنين الماضي في إصدار بيان ختامي يسمح باستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. هذا الاجتماع(البيان) كان يفترض أن يمثّل السلّم الذي ينزل السلطة عن شجرة استحقاق أيلول العالية، فإذا به يطلق رصاصة الرحمة على عملية التسوية برمّتها، ويقدّم دليلاً إضافياً على جمودها وموتها السريري، واستحالة إعادتها إلى الحياة من جديد .
العنوان أوالهدف الأساسي للاجتماع تمثّل أصلاً بقطع الطريق على السلطة الفلسطينية ،ومنعها من الذهاب إلى الأمم المتحدة في أيلول القادم؛ لنيل الاعتراف بدولة مستقلّة ،ضمن حدود حزيران يونيو1967، تفادياً للازدواج الأخلاقي والنفاق السياسي عند عرض الأمر للتصويت، خاصة من قبل الاتحاد الأوروبي الذي وقف وراء الاجتماع الأخير، رغم عدم رضى وتلكؤ الإدارة الأمريكية. وكانت الفكرة الأوروبية بسيطة: إصدار بيان يتضمّن ما يشبه الخطة - خارطة طريق أخرى- المستندة إلى خطاب الرئيس أوباما في الخارجية الأمريكية أيار/ مايو الماضي، تحديداً فيما يتعلق بخطوط حزيران كحدود للدولة الفلسطينية مع تبادل أراض متفق عليه، وضمانات أو ترتيبات أمنية متفق عليها أيضاً، على أن يتمّ الانتهاء من بقية القضايا الصعبة والحساسة والشائكة، خاصة ملفيّ القدس واللاجئين ضمن سقف زمني لا يتجاوز العام .
كما قلنا، قبلت إدارة أوباما الفكرة على مضض، وهي لم تشأ أن تتحوّل الرباعية إلى لاعب فعلي وجوهري في ملف التسوية؛ كونها تريدها أداة لتنفيذ التوجّهات، أو حتى قناعاً للتغطية على المأزق أو العجز الأمريكي. وبالتالي، فقد عرقلت الاجتماع على طريقتها، عندما فرض دينيس روس منطقه الفاشل والمنحاز بشكل أعمى لإسرائيل والمروّج لفكرة أن لا داعي لإصدار خطة قد يرفضها أحد الطرفين، حتى لو كانت منطقية وعادلة وواقعية. روس منسجم هنا مع موقفه الصهيوني المصرّ على تفاوض ثنائي بعيداً من أي وساطات أو تدخّلات؛ كي يتمّ ضمان فرض موازين القوى المختلّة على المفاوضات، وترجمتها في أي اتفاقات أو تفاهمات قد يتمّ التوصّل إليها مستقبلاً. ومع فرض هذا المنطق الأعوج، وغير العادل، تمّ التواطؤ مع إسرائيل التي قدّمت عبر روس ونفوذه الواسع في البيت الأبيض مقترحاً مضاداً يتضمّن الموافقة على فكرة خطوط حزيران كأساس للتفاوض، والانطلاق من قضيتي الحدود والأمن، شرط أن تتعهّد السلطة بقبول فكرة يهودية إسرائيل. وهذا الاقتراح الملغوم يلقي بالكرة في الملعب الفلسطيني، من حيث الشكل، أما مضموناً فيشطب حق العودة للاجئين، كما الحق الفلسطيني بالقدس، ويفرغ أي مفاوضات من محتواها وجدواها، ويكرّس، في المقابل، فكرة الحكم الذاتي البلدي الموسّع للسكان، وهو الحل التاريخي لليمين الإسرائيلي الذي بات مهيمناً ومسيطراً على الحياة السياسية والحزبية بالكامل، إثر انهيار الوسط أو اليسار بالمعنى أو البعد الإسرائيلي الداخلي طبعاً .
بناءً على المعطيات السابقة، فشل الاجتماع. فالسلطة لا تستطيع القبول بيهودية إسرائيل، رغم ترحيبها بأي خطة تتيح لها النزول عن شجرة استحقاق أيلول، شرط أن تتضمّن كلمات حزيران/ يونيو 67 ولو كتاريخ فقط. والاتحاد الأوروبي لا يستطيع فرض إرادته أو الضغط الفعلي على إسرائيل لقبول المواثيق والشرعية الدولية-في حدّها الأدنى طبعاً- التي تراها معظم دول العالم أساساً للحلّ، بما في ذلك إدارة أوباما التي رغم قناعاتها ما زالت تعطي الأولوية للاعتبارات الداخلية. علماً أنها لا تخشى ما يعرف بـ"استحقاق أيلول" بل تستغلّه لابتزاز السلطة والضغط عليها، كما أنها أعلنت صراحة أنها ستستخدم الفيتو عند عرض الأمر على مجلس الأمن، رغم ما سيسبّبه ذلك من غضب وسخط في الشارع العربي والإسلامي. ولكن، في أمريكا، كما دائماً، تتقدّم الأولويات والاعتبارات الداخلية على الأولويات والاعتبارات الخارجية .
العبرة الأهمّ ممّا جرى في الاجتماع يجب أن يتمّ استخلاصها فلسطينياً، وهي ما عبّر عنها -مبدئياً- الرئيس أبو مازن عندما قال إن الفشل في إصدار بيان هو بمثابة مؤشّر سيّىء على العملية برمّتها. وهنا، للأسف، فقد لامس الرئيس الحقيقة جزئياً، الأمر ليس فقط مؤشراً وإنما دليل أكيد على موت عملية التسوية واستحالة إعادتها إلى الحياة، وعجز الرباعية والاتحاد الأوروبي، وحتى الأمم المتحدة عن الضغط الفعلي على الحكومة الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل، والتي يفتخر رئيسها بأنه أجبر الرئيس الأمريكي على الانحناء أمامه والخنوع لرغباته وتصوّراته .
بدلاً من السلم، أطلقت الرباعية دون أن تدري ما يشبه رصاصة الرحمة على عملية التسوية، ما يفترض أن يمثّل دافعاً إضافياً للسلطة لتسريع خطوات المصالحة، وترتيب البيت الداخلي لإدارة الصراع مع إسرائيل قبل أيلول وبعده، بذهنية واستراتيجية جديدة لا تعتمد التفاوض ثم التفاوض ثم التفاوض لاسترجاع الحقوق، بل المقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة بكافة أشكالها وتجلّياتها السياسية والديبلوماسية لإجبار إسرائيل على الانصياع، أو على الأقل دفع ثمن باهظ مقابل الاحتلال والتنكّر للمواثيق والشرائع الدولية .
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للإعلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق