انتخابات مبكرة أخرى جزء من الأزمة أم الحل بالنسبة لإسرائيل؟
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للاعلام
حسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو أمره، وقرر التوقف عن محاولة التوصل مع أركان ائتلافه إلى ميزانية معقولة للعام المالي القادم، والذهاب بدلاً من ذلك إلى انتخابات مبكرة أخرى يفترض أن تجري أواخر كانون ثاني يناير من العام 2013.
بداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه الانتخابات هي الخامسة في العقد الأخير بعد انتخابات 2001 – 2003، 2006 - 2009 ما يؤكد على الأزمة السياسية البنيوية التي تعاني منها إسرائيل والناتجة أساساً عن العجز عن حسم الصراع في فلسطين، وإنهاء الصمود والعناد الفلسطيني سلماً أو حرباً بغض النظر عن الأسباب الآنية المباشرة أو غير المباشرة التي يتم الذهاب إلى الانتخابات على أساسها.
ثمة أمر لافت آخر يعبر عن مدى التعقيد العاصف بالساحة السياسية والحزبية. فحكومة نتن ياهو قامت بتقديم الانتخابات كي تجري قبل عشرة أشهر من موعدها الدستوري المقرر مع الانتباه إلى أنها الحكومة الأولى منذ عقدين التي تستمر في السنة لأربعة أعوام تقريباً، وهذا عائد إلى حزمة من الحيثيات والخلفيات منها ضعف المعارضة وهيمنة اليمين على الحياة السياسية والحزبية وانشغال الفلسطينين بانقسامهم ومصالحتهم وشؤونهم الداخلية وتمسكهم بالتهدئة متعددة التجليات في الضفة وغزة ما أتاح للحكومة الإسرائيلية الحالية إدارة الوضع الراهن والحفاظ عليه بأقل قدر ممكن من الأضرار السياسية والأمنية وإزاحة الملف الفلسطيني من جدول الأعمال الإقليمي والدولي، ووضع الملف الإيراني بدلاً منه وفي السياق قراءة الربيع العربي واستخلاص العبر منه من أجل تخفيف أضراره وزيادة المكاسب ولو في المدى المنظور، بينما عجز الفلسطينيون عن القيام بالمثل لجهة فهم ما يجري فى المنطقة واستغلال الوقت المستقطع لترتيب البيت الداخلي، وتنفيذ اتفاق المصالحة والاقتناع بأن الربيع العربي لا يعطي إسرائيل الفرصة للتنكيل بالشعب الفلسطيني على نطاق واسع كما فعلت شتاء العام 2009، ولكن من جهة أخرى فإن دول الربيع مشغولة بإعادة بناء ما دمرته أنظمة الاستبداد والاستئثار والفساد، وبالتالي فإن قدرتها على الانشغال بالتفاصيل الفلسطينية في حدها الأدنى لو على المدى المنظور.
في السياق الإسرائيلي لا يمكن تجاهل السبب المباشر والظاهر للذهاب إلى الانتخابات والمتمثل بعجز الائتلاف اليميني الحاكم عن التوافق على الخطوط العريضة لميزانية العام القادم، والناتج عن اختلاف في الرؤى بين حزبي إسرائيل "بيتنا" و"شاس" من جهة والليكود ونتن ياهو من جهة أخرى الساعي تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والرغبة في تحاشي الاقتراب من الميزانية الأمنية المتضخمة نحو ضغط النفقات وتقليص التقديمات الاجتماعية بما يتناقض مع المصالح القطاعية للحزبين السالفي الذكر، إلا أن اللافت أن نتن ياهو لم يجرِ حوارات فعلية حول الميزانية ما يثبت أن هذا الأمر ليس سوى ذريعة أو على الأقل ليس السبب الرئيسي للذهاب إلى الانتخابات وإنما ثمة أسباب سياسية أخرى مخفية وغير معلنة.
ضمن هذا السياق يمكن الإشارة إلى عدة أمور منها رغبة نتن ياهو في الاستفادة من غياب منافس جدي على المستوى الشخصي والسياسي، في ظل ضعف أحزاب المعارضة وتشظيها وعجزها عن تقديم بديل أو بدائل جدية له كما استغلال شعبيته العالية بعد خطاب الرسم البياني النووي في الأمم المتحدة، وأهم من ذلك الرغبة فى مواجهة الرئيس الأمريكي القادم من موقع قوة والقول أن مواقفه المتشددة إيرانياً وفلسطينياً ناتجة عن تفويض شعبي واختبار ديموقراطي لا يمكن التشكيك فيه أو تجاهله في التعاطي الأمريكي والدولي مع نتن ياهو وسياساته.
أما فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الانتخابات، فتكاد الاستطلاعات تجمع على بقاء الخارطة الحزبية وموازين القوى. كما هي الآن مع تفوق ملموس وواضح لتكتل اليمين – 65 - مقعداً الذي يضم الليكود وإسرائيل "بيتنا" والأحزاب اليمينية والمتدينة الأخرى، مقابل 55 مقعداً لأحزاب الوسط اليسار والأحزاب العربية مع تغيير داخل كل معسكر على حدا، وتحديداً الأخير. يشمل هذا انهيار كديما وعدم تجاوز حزب باراك – الاستقلال - لنسبة الحسم مع صعود كبير ولافت لحزب العمل وحزب الإعلامي مئير ليبيد الجديد - هناك مستقبل - وبقاء قوة الأحزاب العربية، كما هى علماً أن عودة أهود أولمرت وتسيبي ليفني وقيادتهم لتكتل وسطى واسع مع مئير ليبد وعودة أرييه درعى المقابلة إلى حزب شاس لن تؤدي إلى تغيير جذري، وإنما إلى تآكل بسيط فى قوة تكتل اليمين لا يحول دون هيمنته على الساحة السياسية وقدرته منفرداً على تشكيل الائتلاف الحاكم مع تغيرات طفيفة داخله تزيد قوة شاس على حسب الليكود تحديداً مع انسحاب الوزير موشيه كحلون اليهودي الشرقي وصاحب الأجندة الاجتماعية داخل الليكود.
في الأخير وباختصار لن تؤدي الانتخابات إلى تغيير جذري في الخارطة الحزبية وسيبقى نتن ياهو متزعماً لتكتل اليمين والمشهد السياسي بشكل عام. أما خارجياً فستتواصل إدارة الوضع الراهن في السياق الفلسطيني، والحفاظ عليه بأقل قدر ممكن من الأضرار والخسائر والتركيز في المقابل على الملف الإيرانى وإعطائه الأولوية على حساب الملفات الأخرى واستراتيجياً ستظل حكومات اليمين القادمة أسيرة لسياسة المراوحة في المكان والاستلاب لفكرة أن الصراع الفلسطيني غير قابل للحل وبالإمكان تحمّله والسعي الدائم في سياق الاستفادة من غباء وأخطاء الآخرين لهدم المقولة القائلة أن القضية الفلسطينية تمثل جذر واصل المشاكل وحالة عدم الاستقرار في المنطقة.
ماجد عزام
مدير مركز شرق المتوسط للاعلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق