الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

جريمة رفح... لا مجال للصمت


  جريمة رفح... لا مجال للصمت 

ماجد عزام

مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

لا مجال للصمت أمام الجريمة البشعة التي وقعت في رفح المصرية؛ لا يمكن ولا يجب الاختباء خلف الكلمات في حضرة الدم البريء المراق  ظلماً وعدواناً بأيدى عربية  ومسلمة.

تقع المسؤولية المركزية عن الجريمة البشعة برأيي على عاتق طرفين أساسيين نظام حسني مبارك الساقط الذي أهمل سيناء نظر إليها من فوهة البندقية وتركها عرضة للفقر والجهل المرض والأفكار التكفيرية، وحركة  حماس التي عسكرت غزة والجوار بما في ذلك شبه الجزيرة المصرية نمت ووسعت تجارة الأنفاق والسلاح لضمان بقائها في السلطة دون الانتباه أو بالأحرى التغاضي المتعمد عن الأثار الجانبية السلبية الهائلة على غزة وأهلها، بل على القضية الفلسطينية  برمتها كما الأمن القوي المصري بمركباته المختلفة السياسية الاقتصادية والاجتماعية.

عادت سيناء إلى مصر منذ ثلاثة عقود تقريباً، إلا أن النظام السابق فشل في وضع وتنفيذ خطط ومشاريع تنموية  فيها، رغم الإمكانات الهائلة التي تمتلكها على مستوى الزراعة، صيد الأسماك والسياحة، ولم يكن الحديث عن مدن ومجتمعات عمرانية جديدة وتوطين مليون مواطن سوى ذر للرماد في العيون من قبل النظام الفاسد الذي عمد أركانه إلى نهب المال العام، ومراكمة الثروات قبل أن يجند في العقد الأخير إمكانات الدولة كافة لصالح مشروع  التوريث السياسي  ضيق الأفق والنظر.

لم يكتف النظام بترك سيناء عرضة للفقر، الجهل والمرض والتخلي عن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية الصائبة، لم ينسحب على الخيار الأمني الذي مثل حجر الأساس في التعاطي الرسمي مع  شبه الجزيرة وأهلها ما حولها إلى دفئية مناسبة ومثالية لأفكار التكفير والانعزال، الحقد والكراهية، والرغبة في الانتقام والثأر من الدولة برموزها  ومؤسساتها المختلفة.

كومة القش الاقتصادية، الاجتماعية التي أوجدها النظام في سيناء كانت بحاجة إلى عود ثقاب للاشتعال  وهو ما وفرته للأسف حركة  حماس - والفصائل الصغرى والتابعة - عبر أجواء العسكرة العمياء القاصرة والغبية التي فرضتها في غزة وانعكست سلباً على المحيط والجوار السيناوي وتبدت كأوضح ما يكون في ظاهرة الأنفاق وهوس الحصول على السلاح بأنواعه ومسمياته المختلفة.

بدا هوس العسكرة وتحويل غزة إلى ثكنة مدججة بالسلاح، مع استيلاء حماس على السلطة بالقوة صيف العام 2007، وسمحت أجواء الشطط والتطرف التي سادت المنطقة في العقد الأخير بضخ عشرات وربما مئات الملايين من الدولارات للتزود بأنواع مختلفة ومتعددة من الأسلحة، ورغم النتائج الكارثية والمدمرة التي تبدت خلال حرب غزة إلا أن ذلك لم يبدل من القناعات الخاطئة، بل جرى شكل من أشكال الهروب  الأعمى إلى الأمام ومحاولة تعويض كل ما تدمر وفقد أثناء الحرب، وطوال الوقت مثّلت سيناء الممر والطريق لإيصال السلاح نحو غزة، وتم استغلال تخلي النظام السابق عن أهلها لإغرائهم بالانخراط في عمليات التهريب وتجارة السلاح، في ظل غياب أي خيار أو طريق آخر. وباختصار وجد البدو وفئات مهمشة واسعة من أهالي سيناء، خاصة الشباب السلاح في أيديهم وبكثرة ما جعل تطبيق أو تنفيذ الأفكار التكفيرية المتطرفة أكثر سهولة واحتاج الأمر فقط إلى المعرفة والخبرة وهو ما تكفلت الأنفاق به.

بدأت قصة الأنفاق على نحو خجول حتى زمن الاحتلال، وقبل وصول حماس إلى السلطة غير أن هذه  الأخيرة استخدمتها كوسيلة لمواجهة الحصار الظالم وغير الأخلاقي الذي فرضته إسرائيل ضد غزة، إلا أن الأمر خرج عن الحد وفاق كل تصور وتكاثرت الأنفاق لتصبح بالمئات ويدخل ويخرج عبرها كل شيء وأي شيء من الأفراد إلى البضائع، وحتى الحبوب المخدرة والسيارات الفارهة والحديثة. وغادرت مهمتها الأصلية لتتحول إلى مصدر الدخل الأساس لحماس ووسيلة الإثراء السريع لمئات التجار المرتبطين أو المتحلقين حولها، وأتاحت من جهة أخرى التفاعل والتلاقي بين البيئة السلفية التكفيرية – الجهادية -  السيناوية ومثيلاتها الغزاوية المتكاثرة أيضاً، وكل ذلك  تحت ستار المقاومة والتصدي للاحتلال والغزاة والخونة المتواطئين معهم..

حالة  الفراغ الأمني التي أعقبت الثورة المصرية، وتعمد تخلي وزارة الداخلية عن مسؤولياتها سهلت من مهمة  التكفيريين في سيناء عبر مراكمة المزيد من السلاح والخبرة، وصولاً إلى التفكير بإقامة إمارة أو إمارات إسلامية في رفح والشيخ زويد، وكالعادة فهموا أن الأمر سيصبح أكثر سهولة إذا ما تم استهداف إسرائيل بعمليات كبيرة ونوعية تخلق حالة من الفوضى تساعدهم على فرض سيطرتهم على سيناء أو أجزاء واسعة منها وهي طريقة تفكير مماثلة لتلك التي تبناها تنظيم القاعدة في العراق.

الآن وبعد الجريمة البشعة في رفح لا يمكن لمن تسببوا بالأزمة أن يتخلوا عن مسوؤلياتهم، ومع تفهم العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة المصرية، إلا أن الخيار الأمني وحده غير كاف وقاصر عن معالجة الجذور العميقة للأزمة، ولا بد من وضع خطط تنموية شاملة لسيناء واقعية جدية على المستوى القريب المتوسط والبعيد، والأهم من ذلك احتضان السيناويين وإشراكهم في الهموم الحوارات الوطنية العامة وإشعارهم أنهم مواطنون بالمعنى الكامل للكلمة وليسوا مارقين أو منبوذين ومواطنين من الدرجة الثانية.

مسؤولية حماس لا تقل أهمية وثقل عن مسؤولية النظام الجديد في مصر، فعليها أن تتوقف – وتوقف الآخرين - عن استخدام سيناء كسوق أو مخزن أو ممر لتهريب السلاح، وتتعاون بصدق وشفافية مع السلطات المصرية المعنية، علماً أنها قادرة على فعل ذلك كونها الزبون والمحرك الرئيس لسوق السلاح  رغم إثارة الجانبية السلبية الهائلة التي وصلت إلى حد انتشار عشرة ملايين قطعة سلاح في مصر،  والعمل الأهم كما هي العادة سيكون في غزة أو فلسطين بشكل عام، وفي السياق ينعكس إيجاباً على المحيط والجوار السيناوي عبر إقفال الأنفاق والاقتناع بأن المصالحة وحدها قادرة على رفع نهائي للحصار والتخلي عن عسكرة غزة وتحويلها إلى ثكنة، كي لا يتم تدميرها مرة أخرى وبلورة استراتيجية وطنية بديلة تقطع مع ذهنية العسكرة والتسوية وتستفيد من أجواء وتداعيات الربيع العربي لإدارة الصراع بنموذج أقرب إلى نموذج الانتفاضة الأولى يسمح بتكريس مفهوم المقاومة الشعبية المتفق عليه كحقيقة واقعة على الأرض، علماً أن ذلك هو المتاح أمام الفلسطينيين في السنوات القليلة القادمة إلى حين اتضاح أفاق  التطورات العربية والإقليمية العاصفة

والتي ستصب حتماً لصالحهم على المدى البعيد.

ماجد عزام

مدير مركز شرق المتوسط للاعلام

ليست هناك تعليقات: